رئيس التحرير
عصام كامل

من عمق روسيا إلى قلب العقيدة العسكرية.. كيف كشفت المسيرات الأوكرانية هشاشة الردع الجوي التقليدي؟

روسيا وأوكرانيا
روسيا وأوكرانيا
18 حجم الخط

في الحروب، لا يكون الضعيف دائما هو الأضعف، ولا يكون القوي في مأمن من الضربات الصغيرة، ففي زمن المسيرات والانفجارات الذكية، لم تعد القواعد الجوية المحصنة معاقل يعول عليها، بل تحولت إلى أهداف ثابتة في مرمى أعداء خفيفي الحركة كثيفي الذكاء.

في يونيو 2025، لم تكن صواريخ نووية ولا أسراب مقاتلات متطورة من اخترقت العمق الروسي، بل أسراب طائرات مسيرة، صغيرة، صامتة، قادمة من حيث لا يُتوقع، لا لتُحدث تدميرًا شاملًا، بل لتقول رسالة واحدة: قواعد اللعبة تغيّرت. وبضربة جريئة، أصابت أوكرانيا أربع قواعد جوية روسية، بعيدة كل البعد عن ساحة المعركة التقليدية، في عملية نوعية قلبت مفاهيم الردع الجوي رأسًا على عقب، وفضحت قصور العقيدة الروسية في التكيف مع عصر الحرب اللامتماثلة.

 

لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل زلزالا عقائديا طال جوهر ما تراه موسكو أساسا لتفوقها: الطيران الإستراتيجي. فماذا يعني أن تُضرب قاذفات Tu-95 وTu-160 داخل عمق سيبيري بعيد؟ وماذا تقول صور الطائرات المحترقة على مدارج القواعد الروسية، عن جدوى الردع المرتكز على الجغرافيا والدفاعات التقليدية؟

 

هشاشة الردع الروسي أمام الطنين الخافت

 

منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، احتفظت روسيا بنواة صلبة من العقيدة الجوية، ترى أن العمق الجغرافي الشاسع، وتكامل الدفاعات الجوية، كفيلان بحماية قواعدها وقاذفاتها الإستراتيجية. فهذه القواعد لم تكن فقط منصات انطلاق، بل رموز قوة وسيادة، يُبنى حولها الردع النووي والتقليدي، وتُستخدم لتخويف الخصوم، ورسم معادلات التوازن.

 

لكن أوكرانيا، في واحدة من أكثر عملياتها جرأة، قررت تحطيم هذا الافتراض، لا بالصواريخ ولا بالغارات الجوية، بل بطائرات مسيّرة أطلقت من مسافات قصيرة داخل روسيا نفسها، وبتكتيك مركّب يعتمد على مباغتة الدفاعات في توقيتات متزامنة. فبدلًا من الهجوم من الخارج، جاءت الضربة من الداخل. وبدلًا من المعركة في خطوط التماس، كانت النيران تشتعل في بيلايا، وأولينيا، ونيجني نوفغورود، قرب موسكو.

 

ورغم التباين في التقديرات حول الخسائر—بين تأكيد أوكرانيا تدمير أكثر من 40 طائرة، وتقديرات أميركية تقلل الرقم إلى 13 فقط—فإن الرسالة الأهم ليست في الرقم، بل في التوقيت والرمزية. فكيف لدولة منهكة بحرب استنزاف، أن تضرب أعصاب الردع الجوي الروسي، وتُشعل النار في قواعد كان يُفترض أن تكون محصنة خلف آلاف الكيلومترات؟

 

ما بعد الأسوار: عصر الردع المرن

 

الجواب، كما أوضح مركز راند الأميركي في دراساته السابقة، أن القواعد الجوية لم تعد آمنة بطبيعتها، ولا الردع يُبنى على البنية الخرسانية أو كثافة الدفاعات. ففي تقريره عام 2021، حذّر المركز من أن الطائرات المسيّرة الصغيرة، رغم كلفتها الزهيدة، قادرة على ضرب أكثر الأهداف حساسية، إذا أُطلقت من مسافات قريبة داخل العمق، أو عبر وسطاء محليين، أو حتى شاحنات مدنية.

 

ودعا المركز إلى إعادة التفكير جذريًا في بنية القواعد الجوية، واقترح توزيع الطائرات، استخدام منشآت مموهة، وتعزيز الاستخبارات والرقابة الأمنية في محيط القواعد، خاصة من الداخل، حيث أصبح التهديد الحقيقي.

 

لكن ما حدث في روسيا يُظهر أن العقيدة لم تتغير. فالقواعد لا تزال مكشوفة، الطائرات مصطفة، والرادارات تنتظر التهديدات القادمة من بعيد، لا من مسافة بضعة كيلومترات. وكأن الحرب تُدار على خريطة تعود إلى القرن العشرين.

 

الصدمة المعنوية قبل العسكرية

 

الهجوم لم يكن فقط ضربة لمنصات قاذفات روسية، بل لطريقة تفكير كاملة. فقد اهتزت صورة الدفاع الجوي الروسي، لا فقط أمام الناتو، بل أمام دول تعتبر موسكو مظلة أمنية، أو شريكًا في مواجهة الهيمنة الغربية. وإذا كانت روسيا عاجزة عن حماية قواعدها الإستراتيجية، فكيف تحمي حلفاءها؟

 

لقد تحوّل المشهد العسكري إلى صدمة نفسية، تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وفي الحرب النفسية، تكون الصور أبلغ من البيانات. ومشهد طائرة Tu-95 تحترق في عمق روسيا أقوى من أي صاروخ بعيد المدى.

 

ماذا بعد

 

ربما ترد موسكو بضربات صاروخية، أو عمليات نوعية في العمق الأوكراني. وربما تُعيد نشر قواتها وتحصيناتها. لكن الضرر وقع، ليس على الطائرات فقط، بل على صورة الردع الجوي الروسي. وما جرى يفرض سؤالًا أوسع على كل جيوش العالم: هل لا تزال القواعد الجوية التقليدية صالحة في زمن المسيّرات والتكتيكات اللامتماثلة؟

 

لقد كانت قلاع العصور الوسطى تُبنى لتقاوم الاقتحام. ثم جاءت المدافع لتجعلها أهدافًا ساكنة. واليوم، تعود القصة بلغة جديدة: المسيّرات الصغيرة هي مدافع العصر، والقواعد الجوية تحولت إلى قلاع قديمة تنتظر مصيرها.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية