رئيس التحرير
عصام كامل

ومن ظلمة الشدة يأتي نور الفرج

18 حجم الخط

يُقال إن بين يوسف وموسى أربعمائة سنة، فالنبي موسى من نسل يعقوب والد يوسف عليهم جميعا وعلى نبينا العدنان الصلاة والسلام.. لقد جاء يوسف بوالده وإخوته وعاشوا جميعا في مصر -بلد الأمن والأمان والخير والنماء والعطاء- من قديم الزمان كما كتبت أقلام السرد التاريخي، هذه التواريخ تحديدا -مع أهميتها- لا تعنينا في هذا المقال، فلم يهتم بها القرآن الكريم بقدر ما اختص الأحداث والمواقف في القصص القرآني العظيم للعبرة والعظة وليس للتسلية أو للاختلاف عليها..

لم يذكر الله تواريخ أزمنة بقدر تركيزه على المشاهد والسرد القصصي كي نتأمل قدرات الله ونتدبر معاني كلماته وآياته. لذلك ما يعنيه هذا المقال هو التأمل في قدرات الله وعنايته لعبدين من عباده اصطفاهم وخصَّهم برحمته ورعايته في كل مراحل حياتهم وتنقلاتهم من الشدة إلى الفرح ومن المحنة إلى المنحة. 

 

في مقالي هذا سوف أسلط ضوء القلم على مشهدين في قصتي يوسف وموسى، وتحديدا حين جاء كل منهما وهو طفل صغير لا حول له ولا قوة، جاء من محنة وشدة، لكن يبدو أن عين السماء الرحيمة لم تفارقهما، فقد سخَّر لهما من يتولَّاهما بعين رحيمة لطيفة خبيرة بصيرة. 

 

المشهد الأول من سيناريو يوسف الصديق الذي كان ضحية الغيرة والحقد الأخوي بعد أن ألقوا به إخوته في البئر السحيق، ثم التقطه تجار عابرون ليبيعوه في مصر، ليستقر به الحال في قصر ملك مصر حينذاك، والذي وضع الله في قلبه العطف على يوسف ومحبته، وهذا ما أخبرنا به القرآن حيث يقول سبحانه وتعالى ما قاله الملك لامرأته: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}(يوسف 21). 

 

أما المشهد الآخر فهو مشهد الطفل موسى الذي ألقت به أمه في النيل بوحي من الله خوفا عليه من جبروت فرعون، ليلقي به اليم عند شاطئ قصر فرعون، يا لها من عجائب ومعجزات القدر التي لا يعلم حكمتها إلا الله عالم الغيب والشهادة. 

يقول الله تعالى ناقلا ما قالته إمرأة فرعون بعد أن حلَّت في قلبها محبة ذلك الطفل الرضيع وكأنه ابنها الذي لم تلده: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}(القصص:9). 

 

لاحظ أن في المشهدين مَن قال بالاقتراح الخَيِّر هو الطَّيِّب من الزوجين المتحاورين.. قال الملك المصري المسالم لامرأته الجريئة: "أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا". وقالت امرأة فرعون الطَّيِّبة لفرعون المتكبر: "لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا".. 

 

من يحمل جينات الشر لا يفكر في خير لغيره أبدا، فليس له في  الرحمة من شيء، ولا يعرف للرفق والعطف كلمة ولا فعل ولا تصرف فيه رأفة ولا شفقة، فقلبه تحجر وضميره رحل عنه وزال من  وجدانه. 

لم يكن لزليخة أن تقترح خيرا لهذا الولد العبد الذي اشتراه الملك من سوق النخاسة بثمن بخس، لأنها لم تكن امرأة صالحة والدليل ما فعلته بيوسف عندما كبر وصار شابا فتيا يافعا جميلا فشغفها حبا حتى راودته عن نفسها فاستعصم وأبى، ولأنه يوسف المصطفي وهي زليخة المجرمة التي ألقت به في السجن -فيما بعد- بعد أن رفض الاستجابة لغرضها الدنيء والحقير.. 

 

وكما حدث في مشهد يوسف حدث في مشهد موسى، فلم يكن لفرعون المتجبر والمتكبر أن ينظر للطفل موسى بنظرة عطف بعكس امرأته آسيا المؤمنة، التي قالت لفرعون “لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا”، وقد كان.. 

 

ما حدث لم يكن سوى من تدبير رب العالمين ومشيئته وقدرته فهو الحافظ وهو اللطيف. ومن يتابع أحداث القصتين في القرآن سيتعرف على سردية الشدائد والمحن التي تعرض لها يوسف وكذلك موسى وسيري عين الله وجنوده الذين سخرهم للاعتناء بهما وبرعايتهما فكيف كان الملك ليوسف الذي كان من المحسنين حيث يقول الله: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".. 

 

فالشدَّة مهما احتدمت وتعقدت وظن أصحابها أنها لن تمر بخير؛ يعقبها الفرج بإذن الله، طالت تلك الشدَّة أم قصرت، فالمحن تُخفي بين طيَّاتها المنح، ورُبَّ أمر أحزن أوله وأفرح آخره، انظر لما آل إليه الطفل موسى بعد أن ألقت به أمه في البحر ثم يقع في يد من يبحث عنه ليقتله مع ذكور بني اسرائيل في مصر! 

 

ورغم كل ذلك ؛ يعيده الله لأمه كما وعدها وليستقر فؤادها ويطمئن قلبها: "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (القصص 13)..    

 

 

الابتلاء عنصر ملازم للحياة الإنسانية بل هو مُقدَّر ومكتوب على الإنسان في الحياة الدنيا، غير أن الله تعالى يبسط على الصالحين من عباده أجنحة لطفه وعنايته، ويُسخِّر لهم من عباده مَن يُهوُّنون عنهم عظيم الشدائد وهموم الابتلاءات. إن ربَّ يوسف هو نفسه ربَّ موسى وربَّ عيسى وربَّ محمد عليهم جميعا السلام، والله ربنا جميعا فكلنا عباد الله وهو لطيف بكل خلقه دائما وأبدا، فلا يأس ولا قنوط مع رحمة الله العدل.
Nasserkhkh69@yahoo.com

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية