سلفية المناطق الرمادية.. يعترضون ولا يغادرون.. يناورون.. وأحيانا ينقلبون على أنفسهم.. برهامى يحمّل المقاومة الفلسطينية فاتورة الاحتلال.. ويعتبرها «ضرورة شرعية»
منذ اللحظة الأولى التى قررت فيها الدعوة السلفية أن تخلع عباءة الزهد فى السلطة ودخلت الميدان السياسي، لم يكن الهدف الواضح هو التغيير ولا حتى المشاركة، فالسلفيون لم يأتوا للسياسة ليكونوا جزءًا منها، بل ليعيدوا تشكيلها وفق منطق «الاستثناء الشرعي» أو ما يعرف بالعامية المصرية «الحضور الرمادي». ولأن السلفية لا تلعب السياسة وفق قواعدها، فتح الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية النار على الفكرة التى يمثلها، بعد أن دخل ـ متأخرًا بعام كامل ـ على الخط فى أزمة غزة، وحمّل المقاومة ثمن ما يحدث من تدمير ممنهج منذ أكتر من عام كامل.
وفات على الرجل مراعاة التهاب المشاعر والكبرياء العربى بسبب الانتهاكات المستمرة، والقتل على الهوية الذى يمارسه الاحتلال، ولم يفرق بين امرأة وطفل وشيخ، بل طال الانتقام الصهيونى الضفة الغربية، البعيدة كل بعد عن مسرح الأحداث.
والسؤال الذى يفرض نفسه: لماذا تفضل السلفية البقاء فى المناطق الرمادية، وماذا قدمت أصلا منذ ظهورها حتى الآن، على جميع المستويات: الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها، حتى ينتظر الجمهور منها ما هو مختلف؟
منذ دخول السلفية وخاصة التى يمثلها الشيخ ياسر برهامى إلى المجال السياسى بعد 2011، أتقن التيار السلفى أداء الدور المركب، هم مع الدولة، ولكن ليسوا منها، يعترضون ولكن لا يغادرون، يرفعون راية الشريعة لكن لا يرفعون صوتهم بما يدفعم أثمان أكبر من قدرتهم، فتتحول فتاويهم إلى أداة مرنة، والتشريع إلى مساومة، والموقف إلى مناورة، يعدّون مشروع قانون فى البرلمان ثم يرفضون تمريره، ويصوتون أحيانا ضد اعتراضاتهم السابقة.
وحسب خبراء فى تيارات الإسلام السياسي، فالتيار السلفى بشكل عام لا يؤمن بالسياسة كفكرة، لكنه يتعامل معها كضرورة فقهية، لذلك كل مشاركة سياسية عندهم تقَم باعتبارها «رخصة شرعية» لا باعتبارها «حقًا مدنيًا» وهذا يبرر التخبط المتكرر، وصنع فتاوى صادمة للشارع من وقت لآخر.
ويملك الشيخ برهامى تاريخا كبيرا من الصدام مع التقاليد المصرية الأصيلة، لذا كلما تحدث خلف صدمة كبيرة فى الشارع المصري، فالرجل لا يعرف كيف يفكر المصريون، ولا ما الذى يميز ثقافتهم، لهذا يصرح بأن «الكذب على الزوجة جائز لإنقاذ البيت» كما يرفض دفاع الرجل عن زوجته التى تتعرض للاغتصاب أمام عينه إذا انتهى ذلك إلى قتله.
يتبنى برهامى خطابا سلفيًا يخضع لـ «فقه الواقع»، والواقع هنا لا يقرأ بعيون الجماهير، بل بما يناسب مصالح الجمهور السلفي، لذا تحذر السلفية من الديمقراطية فى كتب التوحيد، ثم تحتفى بها داخل صناديق الاقتراع باعتبارها الوسيلة المناسبة والأقل كلفة لـ مشروع التمكين السلفي.
تتعامل السلفية البرهامية مع الحياة بالموقف، وكل موقف هو فتوى بحد ذاته، وكل فتوى لا تفصل إلا بعد قياس الجو العام الذى يناسب مصالحها، لهذا يصمتون، أو يبررون فى أوقات خاطئة، ويتحدثون فقط حين تكون الحاجة لتوازن رمزي، حتى يظهروا باعتبارهم الصوت الدينى الرشيد الذى يرفض الغلو، بينما هم أكثر من استخدم نصوص الغلو حينما كان الوقت مناسبا لذلك حسب مراقبين.
ويرى البعض أن هذا من طبيعة بناء العقل السلفى الدعوي، فالدعوة السلفية ليست حركة ثورية أو مدنية، بل جماعة محافظة تؤمن بأن التغيير لا يجب أن يأتى من أسفل، ولا من ضغط الشارع، بل من «ترويض الواقع»، فهم ليسوا الوجه الصارخ للإسلام السياسي، بل صوته الخافت الذى يتمدد داخل الدولة ويتنفس دون ضجيج.
المعارضة الصامتة. فى مجلس النواب
فى قاعة البرلمان، لا يرى حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية بقدر ما يلمح، حضوره خافت، وصوته منخفض، ولا يعترض إلا نادرًا، ولا يؤيد إلا على استحياء، وجوده أقرب إلى «كوتة دينية»، مجرد بصمة مائية ليس لها لون أو رائحة.
ومنذ دخول «النور» البرلمان بعد ثورة يناير، بدا الحزب فى مهمة مزدوجة، أن يثبت للدولة وأن يقنع جمهوره بأنه ما زال حارس «الثوابت» لكنه لم ينجح فى المهمة الأولى دون أن يفقد شيئًا من الثانية.
ولم يكن دخول حزب النور إلى الحياة النيابية أمرًا طبيعيًا، بل ضرورة فرضتها لحظة ما بعد ثورة 25 يناير عام 2011، حيث وجد الحزب فى البرلمان وسيلة لضمان الحضور، ووسيلة لحماية نفسه من الغرق فى بحر «السلفية الجهادية» أو السقوط فى فخ جماعة الإخوان.
تحالف الحزب بداية مع الإخوان، ثم ما لبث أن انقلب عليهم تحت شعار «درء المفاسد أولى من جلب المصالح»، ومنذ ذلك الحين، ارتدى عباءة المعارضة الصامتة، لا هو مؤيد مطلق، ولا هو رافض صريح، لا مشاكل أمنية، ولا طموح علني، ولا خطاب إصلاحى يجلب عليه المشكلات.
ورغم تواجد حزب النور فى أغلب اللجان النوعية داخل البرلمان، لكن نادرًا ما قاد حزب النور معركة تشريعية، بل إن مشاركته فى مناقشة قوانين الأحوال الشخصية أو قوانين الحريات جاءت دائمًا بحذر شديد،
اللعب على الحبلين
حين يسأل نواب حزب النور عن مواقفهم الغامضة، تأتى الإجابة غالبًا بأنهم يراعون المصلحة العامة، أو أنهم يرون الصورة من منظور شرعى أوسع، أو أن الواقع لا يحتمل المزيد من التصعيد، حتى فى اللحظات التى كانت تستوجب حسمًا، مثل تعديل مواد الدستور، أو نقاشات قوانين تتعلق بالهوية، اختار حزب النور التوارى أو التحدث بصيغة ضبابية، حتى يمارس شكلًا من مش أشكال الهروب السياسى المشروع،
ما الذى تبقى من حزب النور ؟
فى برلمان اليوم، لم يعد «النور» حزبًا ذا هوية واضحة، بل حالة ضبابية لا تعرف مواقفه بدقة، ولا يملك تأثيرًا حقيقيًا على التشريع، ولا يملك حتى جرأة إعلان معارضته، هو حاضر لكن بلا لون، بلا نبرة، بلا مشروع، ويستحيل أن نجد هذا الحزب عند الاحتياج إليه.
إلى ذلك يقول سامح عيد، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن السلفيين أكثر حدة وأقل خبرة، مما يعنى أن خطابهم السياسى شديد الحسابات، فالفتوى فى ظاهرها فقهية، لكنها فى العمق محاولة للاحتفاظ بالقاعدة السلفية، دون استفزاز الرأى العام أو الدولة.
يضيف: هو يرسل إشارات مزدوجة، لكنها تعكس أزمة هوية حقيقية داخل المشروع السلفى كله، الذى يميل دائما للمنطقة الرمادية التى يحب أن يلعب فيها السلفيون، لا هى قطيعة كاملة، ولا هى انفتاح حقيقي، فبرهامى لا يريد أن يتهم بالتشدد، ولا أن يفقد أوراقه أمام الشارع السلفي، وهذا النمط من الفتاوى أقرب إلى فن التمرير الشرعى الذى يستخدم لضمان البقاء، لا لصناعة موقف مبدئي.
من ناحيته يرى إبراهيم ربيع الباحث فى شئون التيارات الدينية، أن السلفية فشلت فى تثبيت مشروعها داخل البرلمان أو الساحة العامة لأن السلفية بطبيعتها لا تؤمن بفكرة السياسة كما نعرفها، ولا تؤمن بالتفاوض.
وأضاف: حين دخلت الساحة السياسية، لم تكن تملك مشروعا حقيقيا، بل دخلت كرد فعل على صعود الإخوان، لذلك لم ينتجوا خطابًا سياسيًا مقنعًا، وظلوا أسرى فتاوى تحرم الديمقراطية، ثم يشاركون فى مؤسساتها، وهذا التناقض كلفهم كثيرًا.
وطالب ربيع بعمل ما أسماه «مدونة السلوك الجماعي» التى تشمل الوعى الجمعى والعقد الاجتماعي، لتحرير الانسان المصرى المعاصر من مخالب السلفية بما يسهم فى إعادة إعمار الشخصية المصرية.
فى المقابل يرى الناشط السلفى أسامة أبو المجد، أن الهجوم على الفتاوى الأخيرة للشيخ ياسر برهامى وخاصة عن الأحداث فى غزة، «فراغ علمى وشرعي».
يؤكد أبو المجد أن أغلب الذين يهاجمون الشيخ لا يفندون أراءه بشكل علمى للرد عليها، وإنما يستهدفون تصفية حسابات قديمة إما بسبب إنكارهم على الشيخ ودعوته السلفية الالتحاق بالسياسة دون حجة ولا برهان على رفضهم لذلك، وإما أنهم من «أهل البدع» ـ حسب وصفه ـ الذين يريدون استغلال الموقف بالتشويه والإفتراء لإسقاط رأس من رؤوس السلفية، حتى يفسح لهم المجال فى تمرير بدعهم وخرافاتهم ـ على حد قوله ـ.
واختتم الناشط السلفى مؤكدا أن دفاعم عن الشيخ برهامي ليس تعصبًا لشخصه وإنما دفاع عن أحكام شرعية جهلها وعدم ضبطها من أسباب إهلاك الأمة وضعفها.
فى نفس السياق، يؤكد الدكتور أحمد أيوب عضو الدعوة السلفية أن الكثير من المشايخ والأسماء الكبيرة ابتعدت واعتزلت المشهد خوفًا من الهجوم عليهم، واعترف معظمهم بذلك، بينما اختار برهامى أن يتصدق بعرضه ولا يكتم ما عنده من الحق وما يراه صوابًا وليكن ما يكون.
وأضاف: الشيخ برهامى ألف كتابا اسمه فقه الخلاف وهو محل ثناء بين أهل العلم، مضيفا: لازلت أتذكر قول كهلٍ تجاوز الـ ٧٠ من تابعى بعض الجماعات الاسلامية أن هذا الكتاب أزال الغشاوة من على عينيه.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
