رئيس التحرير
عصام كامل

مستوقدات الفول في الدرب الأحمر.. مشاعل لطهي الطعام وتسخين مياه الحمامات العامة.. المغربلين وسوق السلاح والغورية أشهرها.. وهذا سر إغلاقها (فيديو وصور)

سقوط مدخنة المستوقد
سقوط مدخنة المستوقد
18 حجم الخط

في قلب حي الدرب الأحمر العتيق، كانت  مستوقدات الفول تشكل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية للمواطنين، وكانت منتشرة في أركان الحي القديمة، لا تقتصر على كونها مجرد أماكن لطهي الفول فحسب، بل كانت تمثل رمزًا من رموز العراقة والتراث الذي يعكس روح القاهرة القديمة. 

اليوم، مع تغير الزمن وتطور وسائل الحياة، اختفت هذه المستوقدات من الوجود، لتبقى ذكراها في عقول من عايشوا آواخر تلك الحقبة الزمنية الجميلة.

نهاية عصر المستوقدات

منذ عدة عقود، شهدت مستوقدات الفول في الدرب الأحمر تراجعًا كبيرًا حتى اختفت تمامًا. 

في حديث مع عم صبري وعلي قطب، من أصحاب المستوقدات المغلقة، تبين أن السبب الرئيسي لهذا الإغلاق يعود إلى دخول الغاز الطبيعي إلى المنازل والمطاعم، الذي جعل عملية الطهي أسرع وأقل تكلفة. 

ويقول علي قطب: "في الماضي، كانت المستوقدات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية هنا في الدرب الأحمر، أما الآن، مع دخول الغاز، تغيرت الأمور بشكل كبير، لا أحد يملك الوقت الطويل لطهي الفول على النار الهادئة مثلما كان الحال في الماضي."

ما يميز فول المستوقد كان نكهته الخاصة التي تميزت عن أي فول آخر يتم طهيه في المنازل أو المطاعم.

كان السر يكمن في  طريقة الطهي الفريدة، حيث كان الفول يُطهى ببطء على نار هادئة تستمر لساعات طوال الليل، مما يجعل النكهة تتغلغل في الحبوب، ويجعله طريًا ولذيذًا بشكل خاص.

يوضح عم صبري: "كان فول المستوقد لذيذًا جدًا لأنه كان يأخذ وقتًا طويلًا ليُطهى. الآن، حتى لو استخدمنا نفس المكونات، النكهة لن تكون كما كانت."

ورغم أن العديد من المطاعم بدأت تستورد فولًا مشابهًا لما كان يطهى في المستوقدات، فإن الطعم لم يصل إلى نفس المستوى من النكهة الأصيلة التي ارتبطت بذاكرة الحي. 

وقد كان الفول يقدم غالبًا مع الطحينة أو الحمص، وكان من أكثر الأطعمة شعبية لدى أبناء الدرب الأحمر وزوارهم.

المستوقدات والحمامات التاريخية.. علاقة متجذرة

ارتبطت المستوقدات ارتباطًا وثيقًا بالحمامات العامة، إذ كانت تُبنى العديد من هذه المستوقدات خلف الحمامات لتوفير الحرارة اللازمة لتسخين المياه. 

كان هناك مستوقدات بالقرب من حمام الدود في المغربلين، وحمام بشتك في سوق السلاح، وحمام قلاون في الصاغة، بالإضافة إلى مستوقد آخر بجوار حمام السكرية في الغورية. 

يقول عم صبري: "كان الفول يُطهى في هذه الأماكن ويُنقل إلى المحلات والناس، بينما كانت الحمامات تعتمد على حرارة المستوقدات لتسخين المياه، كان هذا النظام جزءًا من حياتنا اليومية، كل شيء كان مترابطًا."

أماكن المستوقدات

من الأماكن المعروفة التي كانت تحتوي على مستوقدات في الدرب الأحمر:

  • مستوقد في المغربلين بجوار حمام الدود في شارع محمد علي، كان يعد من أشهر المواقع حيث كان يتوافد عليه الناس من أنحاء الحي لشراء الفول.
  • مستوقد بجوار حمام بشتك في سوق السلاح، وكان يُعتبر أحد أهم المواقع التاريخية التي كان يتم فيها طهي الفول، حيث كان يُقدم في ساعات الصباح الأولى للعمال والتجار في السوق.
  • مستوقد بجوار حمام قلاون في الصاغة، الذي كان يراه الجميع مركزًا حيويًا لبيع الفول الذي اشتهر بنكهته المميزة.
  • مستوقد بجوار حمام السكرية في الغورية، وهو أحد المستوقدات التي كانت توفر الفول للزوار في الغورية، حيث كان المارة في الشوارع يلتفون حوله للحصول على وجبتهم اليومية.

ورغم اختفاء تلك الأماكن، لا تزال الذاكرة تحتفظ بصور هذه المستوقدات التي كانت جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في الحي.

تاريخ يمتد لقرون

تعود جذور مستوقدات الفول في الدرب الأحمر إلى حوالي 150-200 عام. وكانت تعتمد على حرق القمامة كمصدر رئيسي لتوليد الحرارة، وهي طريقة كانت فعالة للغاية في تلك الحقبة. كان العمال في المستوقدات يبدأون يومهم في الخامسة صباحًا، حيث يجهزون النار في المواقد الضخمة التي تُستخدم لطهي الفول لعدة ساعات. 

كان الفول يتم طهيه ببطء طوال الليل، وعند الفجر، كان يكون جاهزًا للتوزيع على العربات والمحلات في الحي. يقول عم صبري: "كان يبدأ العمل في الخامسة صباحًا، وكان الفول يُوزَّع في ساعات الفجر الأولى، وكانت رائحته تعبق في الأرجاء وتعلن عن بداية يوم جديد."

سقوط المدخنة… نهاية رمزية

في السنوات الأخيرة، سقطت مدخنة مستوقد حمام الدود، وهو حدث كان بمثابة النهاية الرمزية لعصر المستوقدات في الدرب الأحمر. يقول عم صبري: "بعد سقوط المدخنة، لم يكن هناك مجال لاستمرار العمل في هذا المكان، فتم بناء سور حديدي حوله كذكرى للماضي." هذه السورة الحديدية أصبحت الآن شاهدة على تراجع أحد أعمدة التراث في المنطقة، وأصبحت بمثابة رمز للزمن الذي مضى.

المستوقدات في السينما

لم يكن دور مستوقدات الفول مقتصرًا على طهي الطعام فحسب، بل كان لها دور ثقافي في تشكيل صورة القاهرة القديمة في السينما. في فيلم "الكيت كات"، الذي قام ببطولته النجم محمود عبد العزيز، كان المستوقد جزءًا أساسيًا من المشهد الاجتماعي، حيث كانت الأحياء القديمة تتجمع حول هذه المستوقدات التي كانت تمثل أحد المعالم المميزة لتلك الحقبة.

ورغم اختفاء المستوقدات من الشوارع، إلا أن حكاياتها ما زالت تُحكى بين سكان الدرب الأحمر، هؤلاء الذين عاشوا أيامها يتذكرون الفول الذي كان يُطهى على نار هادئة وكيف كانت تلك الأيام تحمل نوعًا من السحر الذي لا يُمكن استعادته الآن. ورغم أن وسائل الطهي قد تطورت، فإن فول المستوقد سيظل في ذاكرة الناس كوجبة تجمع بين الذكريات القديمة وعبق الماضي.

ومع تحول القاهرة القديمة إلى مدينة عصرية، يبقى السؤال: هل يمكن إحياء هذا التراث من جديد؟ ربما يكون الجواب في مشاريع صغيرة تحاكي تجربة المستوقدات القديمة، ولكن بأساليب تتناسب مع العصر الحديث. حتى ذلك الحين، ستظل المستوقدات رموزًا عالقة في ذاكرة المكان وأهله، وسيتذكرها الجميع بشوق وحنين.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية