المجددون، عمر بن عبد العزيز زاهد العلماء وعادل الأمراء

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 

ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.

وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

عمر بن عبد العزيز (61 هـ - 101 هـ)

في الحلقة الأولى نستعرض حياة أول المجددين، باتفاق العلماء والمؤرخين.. وهو عمر بن عبد العزيز، سادس الخلفاء الراشدين، بعد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والحسن بن علي، رضي الله عنهم جميعا.

أول من وصف عمر بن عبدالعزيز بالمجدد هو الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل.

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، أمير المؤمنين، الخليفة الراشد أشج بني أمية، كان من أئمة الاجتهاد.
وُلِد في حلوان بمصر عام 61 هجريًا، حين كان أبوه أميرًا عليها، وأمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فهو حفيد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب. 
وكان أسمر رقيق الوجه، جميل الهيئة، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بوجهه أثر قديم لرفسة دابة.
رغم نشأته في نعيمٍ وترفٍ في ظل أبويه، فقد ظهرت عليه علامات الورع والخوف من الله منذ كان طفلًا صغيرًا، ففي إحدى الأيام دخلت عليه أمه ووجدته يبكي، فقالت له: ما يبكيك؟!
قال: ذكرتُ الموت، فبكت أمه، وعلمت أن له شأنًا، فطلبت من أبيه أن يعهد به إلى رجل صالح يعلمه ويؤدبه، فدفعه أبوه إلى صالح بن كيسان، فأحسن تأديبه وتربيته، من ذلك أن عمرًا قد تأخر يومًا عن صلاة الجماعة، فقال له معلمه: ما شغلك؟! 
فقال عمر: كانت مرجِّلتي (خادمتي) تسكن شعري، فقال معلمه: قدَّمت ذلك على الصلاة؟!. فما كان منه إلا أن حلق له رأسه بعد أن استأذن أباه.
عاش عمر في المدينة المنورة وكان فيها عدد من الصحابة وكثير من كبار التابعين.
وواظب على أخذ العلم من شيوخها، وكان يجلس مع مشايخ قريش، يتعلم منهم.
وكان لذلك أثره البالغ في صياغة شخصيته الإيمانية والعلمية والتربوية، ونال تعليمه على أيدي كثير من العلماء والفقهاء، فقد بلغ عدد شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلاثة وثلاثين، ثمانية منهم من الصحابة، وخمسة وعشرون من التابعين.
وعندما مات أبوه أخذه عمه عبد الملك بن مروان ليختلط بأولاده، وقدَّمه على كثير منهم، وزَوَّجَه ابنته فاطمة، وهي امرأة صالحة تأثرت كثيرًا بشخصية عمر بن عبد العزيز.

مخالفة حكام بني أمية

كان ما أول ما بدأ به عمر في خلافته هو رفضه لمظاهر الأبهة والفخفخة خلافًا للمسار الذي انتهجه مَن قبله من حكام بني أمية.
فقد أقر بوضوح مبدأ أن الأصل في حفظ الدين يتمثل في حفظ قانون السياسة وبث العدل وحقن الدماء. 
وكان أول ما اهتم به الخليفة المُجَدِّد حين ولي الخلافة أن بدأ بنفسه، ثم أهل بيته، ثم ببني أمية، فأعاد الأراضي التي وُهبت له ولزوجته وأولاده من بيت مال المسلمين، وطلب من بني أمية إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه حق.

ثار بنو أمية ولجأوا إلى فاطمة بنت مروان عمته التي كان يحترمها ويكرمها وطلبوا منها أن تكلمه فيما اعتزم، قال لها: "إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سلك طريقًا فلما قُبِضَ سلك أصحابه ذلك الطريق الذي سلكه الرسول، صلى الله عليه وسلم، فلما أفضى الأمر إلى بعضهم جرَّه يمينًا وشمالًا، وأيم الله لئن مُدَّ في عمري لأردنه إلى ذلك الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه".
فقالت له: يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يومًا عصيبًا، فقال: "كل يوم أخافه دون يوم القيامة لا وُقيته"، فرجعت فاطمة إلى بني أمية تقول لهم: "ذوقوا مغبة أمركم في تزويجكم آل عمر بن الخطاب".

إبعاد الولاة الظالمين

اهتم عمر ببحث شكاوى الرعية، فأعاد إلى الناس ما اغتصبه أفراد أسرته، وطلب من موظفي الدولة والعمال مراعاة الحذر في الأموال العامة، وعدم استخدامها للحاجات الشخصية، وعزل الولاة الظالمين والعمال القساة وعين بدلًا منهم ولاة جددًا، وكان يراقب تصرفاتهم، كما قضى ديون المعسرين من بيت المال، وشملت رعايته أهل السجون، فكان ينفق عليهم ويكسوهم ويتعهد مريضهم.
ويُروى أن أحد الولاة كتب إليه يشكو تعرض مدينته للتدمير، ويطلب منه مالًا يحصنها به، فكتب إليه الخليفة: "قد فهمتُ كتابك، فإذا قرأتَ كتابي فحصِّن مدينتك بالعدل، ونقّ طرقَها من الظلم، فإنه حُرمتها، والسلام".
وكان من أهم قراراته إسقاط الجزية عمن أسلم من أهل البلدان المفتوحة، وكان من سبقوه يعاملونهم باعتبارهم أحد مصادر الخزانة العامة، وكان من نتيجة قراره دخول كثير من سكان تلك البلدان في الإسلام، فتراجع بذلك أحد موارد الخزينة العامة، ما جعل أحد عماله يرسل إليه لافتًا إلى أن الخَرَاج قد نقُص؛ بسبب رفع الجزية عمَّن أسلم، فجاءه جوابُ الخليفة حاسمًا مقرِّرًا: "إنَّ الله بعث محمدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا".
وكان عمر يؤدي المهور من بيت مال المسلمين لمن لا يستطيعون سدادها، وكان ينفق على الذِّمِّي إذا كبر ولم يكن له مالٌ، وكان من نتائج منهجه أن أغنى اللهُ المحتاجين، حتى جاء اليومُ الذي لم يُعثر فيه على مستحقٍّ للزكاة في عهده.

جمع الأحاديث

يعتبر عمر بن عبد العزيز هو أول من اهتم بجمع الحديث النبوي، حيث كتب إلى أحد كبار علماء الحديث في عصره، وهو أبو بكر بن محمد بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء".
وأشار عليه بالاهتمام، بشكل خاص، بما كتبته عمرة ابنة عبد الرحمن الأنصارية، وقاسم بن محمد بن أبي بكر، لأهميتهما، كما كتب إلى عماله بالأقاليم: "انظروا إلى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاجمعوه". وحدد رواتب للعلماء لكي يتفرغوا لنشر العلم.

وفاته مسموما

تُوُفي عمر بن عبد العزيز بببلدة دير سمعان التابعة لـ"حمص" في آخر شهر رجب عام 101هـ، وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته مسمومًا، بعد أن قام بعض بني أمية بتسميمه لأنه انتزع منهم الكثير مما اغتصبوه من أملاك وأموال فحقدوا عليه.

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عمر بن عبد العزيز (1 – 4)

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عمر بن عبد العزيز (2 – 4)

ولما احتضر عمر بن عبدالعزيز قال لمن حوله: اخرجوا عني، فلا يبقى عندي أحدٌ، وكان عنده مسلمة بن عبدالملك قال: فخرجوا، فقعد على الباب هو وفاطمة زوجة عمر، فسمعوه يقول: “مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه أنس ولا جان. ثم قرأ قول الله تعالى: ”تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"، ثم هدأ الصوت فقال مسلمة لفاطمة: قد قُبض صاحبك. فدخلوا فوجدوه قد أسلم الروح.
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.