رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة الغلاء.. المواطن فى قبضة مافيا الأسواق.. سياسيون: نعانى من انفلات سعرى ولابد من تفعيل الدور الرقابى على الأسواق.. ومبادرات الحكومة لن تسهم وحدها فى حل الأزمة

السلع الغذائية، فيتو
السلع الغذائية، فيتو

تسلمت مصر 14 مليار دولار، قيمة الدفعة الثانية من أموال صفقة  رأس الحكمة، أكبر صفقة استثمار مباشر فى تاريخ بلادنا بقيمة إجمالية  35 مليار دولار؛ لكن المحزن أن التأثيرات على حياة المواطنين حتى الآن تكاد تكون غير ملموسة بالمرة.

أسعار المواد الغذائية لا تزال مرتفعة للغاية، التضخم متفشٍّ، ولم يعد فى قدرة الكثير من المصريين البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة مواجهة الغلاء فى أسعار المواد الغذائية، باتت الأسواق تعانى من فوضى وجشع التجار والشركات للدرجة التى لم تعد تؤثر على الفقراء فحسب، بل دمرت الطبقة المتوسطة وزحف القلق إلى الأغنياء أيضا.

لماذا فشلت مبادرات الحكومة فى تخفيض الأسعار رغم تراجع سعر صرف الدولار ووصول الدفعة الثانية من مليارات صفقة رأس الحكمة؟ ولماذا لم يشعر المواطن بدور الأجهزة الرقابية فى مواجهة جنون الأسعار؟ وما هى الحلول والحكومة تكتفى بالمسكنات من معارض خاصة ومبادرات دون تدخل حقيقي للوصول إلى أسعار عادلة للسلع؟

«فيتو» تواصل فتح ملف الاقتصاد والأسعار من خلال استطلاع كافة الآراء والحلول والمقترحات من عدد من النواب والسياسيين والاقتصاديين والغرف التجارية والخبراء المختصين، فإلى التفاصيل:

 

غياب الرقابة لعنة، والبقاء تحت رحمة التجار ومافيا السوق السوداء كارثة على المواطن البسيط، ولا يوجد ما يسمى بحرية السوق بهذه الطريقة الموجودة الآن فى مصر، هكذا يرى خبراء سياسيون مشكلة انفلات الأسعار رغم الانخفاض فى سعر الدولار ووصول الدفعة الثانية من صفقة مشروع رأس الحكمة، والتباين الواضح فى أسعار السلع من مكان لآخر بما يجعل المواطن لا يشعر بأى انخفاض حقيقى فى الأسعار.

العديد من خبراء السياسة يكشفون السبب فى عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسعار ويطرحون حلولًا من أجل ضبط الأسواق ووضع نهاية لفوضى الأسعار.

فى البداية تقول الدكتورة كريمة الحفناوى، نائب رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، إن غياب دور الدولة فى الرقابة على الأسعار وعدم  قيام الأجهزة الرقابية من القيام بدورها للسيطرة على الأسواق هو سبب جشع التجار وما يقومون به من رفع للأسعار واحتكار السلع نتيجة لعدم وجود قوانين تفرض أسعارا عادلة للسلع لحماية المستهلك.

وأضافت الحفناوى: لدينا قانون حماية المستهلك، وقانون مكافحة الاحتكار وقانون الرقابة على الأسواق وللأسف لا تفعيل، وعبارة حرية السوق أصبحت تتردد دون وعى، مؤكدة أنه لا يوجد شيء اسمه حرية السوق، لأن الحرية ليست فوضى ولا يوجد فى العالم ما يحدث لدينا من عدم تحديد هامش ربح، فاليابان مثلا الأرباح على السلع لا تزيد على 15 إلى 25% والاستثناء فى السلع التكنولوجية التى قد ترتفع الأرباح فيها إلى 35%.

وأضافت أن الأسعار لم ترتفع فى السلع فقط وإنما فى الخدمات أيضًا من خلال ضريبة القيمة المضافة التى تزايدت إلى 15%، أضف إلى ذلك هناك ضرائب غير مباشرة أصبح المواطن لا يقوى على تحملها، خاصة أن مطالبات صندوق النقد الدولى بالتقشف فى الإنفاق الحكومى، يحب ألا تكون على حساب المواطن البسيط وإطلاق يد التجار للتلاعب فى الأسعار فى ظل غياب الأجهزة الرقابية.

وأكدت ضرورة تشكيل لجنة عليا لتحديد سعر عادل للسلع الاستراتيجية حتى لا يتم ترك الأمر للتاجر يفرض ما يشاء، لافتة إلى أن سبب الأزمة هو تراجع سعر الجنيه أمام الدولار بشكل مستمر ونقص المعروض، مضيفة: حتى الآن لم نصل إلى الاستقرار الكامل فى سعر الصرف، فضلا عن عدم محاربة الممارسات الاحتكارية وهناك من يسعى إلى خلق نوع من أنواع الاحتكارات لجنى الأرباح وهذه إشكاليات أساسية نعانى منها.

وأشارت الحفناوى إلى أن معظم الإجراءات التى أقدمت عليها الدولة بشأن خفض الأسعار سواء من خلال توفير السلع فى المجمعات أو فى المنافذ الخاصة بها لا تنتج أثرا إيجابيا نظرا لأنها لم تستطع تغطية السوق بأكمله، وبالتالى يلزم بجانب هذه المنافذ أن تكون هناك رقابة دقيقة على التجار من خلال أجهزة رقابية قوية قادرة على المواجهة لأن عدم الرقابة بالشكل المطلوب يؤثر على الجهود التى تبذلها الدولة لضبط الأسعار.

وطالبت برفع الكفاءة الإنتاجية وتشغيل الطاقات المعطلة فى قطاع الأعمال العام من أجل زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة، موضحة أن خفض التكاليف لابد أن يكون هدفا رئيسيا سواء فى الحكومة أو فى القطاع الخاص لأنه يساعد جدا فى الأسعار العادلة.

من ناحيته، يرى الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، وزير التموين الأسبق، أن مبادرات طرح السلع بأسعار مخفضة لن تسهم بمفردها فى حل مشكلة الغلاء والتغلب على أزمة الأسعار فى مصر، مشيرا إلى أن ضرورة تطبيق نظام اقتصاد حرب كما يحدث فى روسيا وأوروبا.

وتابع: يجب إعادة النظر فى بعض المشروعات ذات الميزانية الضخمة بحيث يكون تنفيذها على مراحل لأننا فى وضع اقتصادى لا يسمح بالإنفاق على كل المشروعات فى وقت واحد ومعظمها يعتمد على مكون مستورد وتحتاج إلى عملات صعبة، وشدد على أهمية إجراء تقشف حكومى والحد من سفريات المسئولين وتخفيف المستشارين بالوزارات المختلفة كما شدد على أهمية تخفيض الإنفاق الحكومى فى الموازنة والتركيز على المشروعات التى تساعد على زيادة الصادرات”.

وواصل جودة حديثه قائلا: لا بد من تشجيع الفلاح على الإنتاج وتوفير مستلزمات الإنتاج وتحديد سعر مجزٍ لشراء السلع الاستراتيجية حتى يمكن توفير الجزء الأكبر من احتياجاتنا مع ضرورة تفعيل دور الأجهزة الرقابية على الأسواق لموجهة جشع التجار.

كما شدد على أهمية تخفيض الإنفاق الحكومى فى الموازنة، مشيرا إلى أن زيادة التضخم يؤدى إلى تآكل قيمة الجنيه المصرى، قائلا: “يجب وضع ملف إعادة فتح المصانع المتوقفة على رأس أولويات الدولة لأن ذلك سيكون بندًا رئيسيًا فى مفاوضات جذب استثمارات جديدة لمصر.

أما النائب عاطف مغاورى نائب رئيس حزب التجمع وعضو مجلس النواب، فأوضح أن ما يحدث فى الوقت الحالى هو “انفلات سعرى“ وللأسف الحكومة غير قادرة على السيطرة نتيجة للخل الحادث فى السوق وجشع التجار الذين يقللون من المعروض للتحكم فى الأسعار.

وأكد أن الأزمة تفاقمت نتيجة استمرار الحكومة فى تجاهل المشكلة ونفيها إلى أن وصلنا لموجة الغلاء التى لم نشهدها منذ انتفاضة 18 و19 يناير فى السبعينيات، وكان الحل من وجهة نظر الحكومة هو افتتاح منافذ والترويج لسلع تاريخ انتهاء صلاحيتها بعد شهر أو شهرين أو سلع مجهولة الهوية بأوزان صغيرة وأسعارها لا تختلف كثيرًا عن أسعار القطاع الخاص وللأسف هذه السلع تباع فى منافذ الحكومة نفسها ولا نعلم من أين حصلت على هذه السلع ومن صنعها.

وأشار إلى أن الحكومة مسئولة عن الأزمة والتجار استغلوها والمواطن هو من يدفع الثمن، مشيرا إلى أن أي تدخل للحكومة فى الوقت الحالى أو قرارات غير مدروسة سيحدث الأسوأ وهو اختفاء السلع نهائيا، موضحا أن الرقابة وتحديد السعر العادل وهامش الربح مجرد كلام نظرى فات أوانه، وكان المفترض حدوثه قبل انفلات الأسعار، والحل الوحيد أمام الحكومة هو ضخ كميات كبيرة من السلع وعمل تشبع فى الأسواق حتى يضطر التاجر إلى الإسراع من دورة رأس ماله وعدم تخزين السلع املا فى بيعها بأسعار مرتفعة.

وأشار إلى أن السعر أصبح متباينا بشدة من مكان لآخر، ومن محل لآخر، ولا توجد جهة مسئولة عن تحديد الأسعار فى مصر فكل تاجر أو منتج يحدد السعر كيفما يشاء.

ويرى مغاورى أن أحد أهم الآليات التى يجب أن تمتلكها الحكومة لتأدية دورها الرقابى بشكل أمثل، هو إنشاء قاعدة بيانات تضم المنتجين والموزعين والتجار وتركز على الإنتاج وسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط، لكن للأسف لا نملك جهة مسئولة عن عمل قاعدة بيانات للسلع والمنتجين.

الجريدة الرسمية