رئيس التحرير
عصام كامل

الناس الغلابة المنسية

 الشكر واجب لمن أحيا احتفالات عيد الأم لكي نتذكر أعظم إبداعات العطاء الإنساني والبطولات اليومية المنسية لكل أم في هذا البلد، ونفس الأمر في عيد العمال بقي أن نحتفي بالفلاحين احتفاء حقيقيا وكل الفئات المنسية، وهم كثر وكنت أتمني من برامج الحوارات الرمضانية أن تستضيف ذوي الهمم وبقية النجوم الحقيقيين الذين لا تستقم الحياة بدونهم، وهم كالماء والهواء لانستطيع العيش بدونهما.. 

 

ومن فضل الله أنهم مجانًا فلا تشعر بهما بينما اللؤلؤ والمرجان هما الأغلي، ولاحاجة للإنسان بهما إلا الزينة وهم الناس الذين لم يدركوا مدى قربهم من النجاح عندما تخلو.. وهم الذين سقطوا في زلّة قلب فأصيبوا بنوبة حبّ متوازي الأوجاع، هم الذين أجهشوا بالعطاء منذ دخلتهم، هم أمهات وآباء في دور العجزة تناوبت عليهم متلازمة القلب المكسور فتجرّعوا قارورات العذاب دون رحمة، حتى ليخيل للمرء أن هذا الوطن بملاينه لا يظهر منه إلا بضعة آلاف إينما طال بصرك.. 

Advertisements

 

تراهم في كل مكان يطاردونك على الشاشات والملاعب والمصايف والإعلانات وكأن هذا الوطن صمم لهم، والباقي كمالك عدد منسيون وهم كثر لا أحد يتذكرهم، وليس لهم وجود إلا حين يتم استدعاؤهم في مهمات الوطن العاجلة كالانتخابات أو الحروب، ولا أظن أحدا يتذكر بناة الأهرام المدفونين على بعد أمتار من الأهرامات الثلاث.. 

الأبطال الحقيقيون

ولا أحد احتفي بمدرسة السد العالي الهندسية التي تشكلت خلال سنوات البناء وقد طوي النسيان الآلاف من العمال الذين اختطفتهم النداهة، ونفس المشهد فيمن حفروا قناة السويس لدرجة أن التاريخ لم يذكر لنا اسم واحد من عشرات الآلاف الذين دفنوا وتم ردمهم بدون شاهد للقبور، رغم أنهم الأبطال الحقيقيين، ولكن أسماءهم في أدبيات العامة منذ القدم الأوباش، الأراذل، السوقة وهم الرعاة والفلاحين وغيرهم ممن يصنعون التاريخ..  

 

يزرعون ويصنعون ويبنون وغيرهم يحصد إنجازاتهم ويسرق عرقهم، يرحلون في صمت من دون أن نعرف عنهم.. إلا أقل القليل ومع نسمات الصباح الباكر يوميا يشقون طريقهم للحقول سعيا على الزرق الحلال والعمل أكثر من 8 ساعات متواصلة، من أجل بضعة جنيهات حلال أولئك الأشخاص الذين لم يعرفهم أحد ولم يسأل عنهم أحد.. 

 

وهم أناس تكالب عليهم القهر المدقع وهم كلّ المخلصين الصادقين الذين بسطوا أياديهم للحياة فأعرضت عنهم. هم اليتامى والفقراء والمساكين، هم المهاجرون واللاجئون، هم الراسبون والعاشقون والفاقدون والغائبون، هم كلّ الذين وقع عليهم النسيان والحرمان والهجر والإذلال وهم الذي قال عنهم القرأن: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.. 

 

 

وجاء علينا حينا من الدهر تم تهميش الطبقة الوسطي، على الرغم من أنها رمانة الميزان وظهرت طبقة جديدة من السماسرة الذين لا يملكون أي مؤهلات لغناهم المفاجئ، إلا بسبب اهتزاز البنيان المجتمعي الذي أتاح لهم استغلال الأموال في أشياء غير منتجة، كالمضاربة علي الأراضي وأحيانًا كثيرة لا يدرك من يتقدمون الصفوف خطورة تهميش بعض الفئات أو الأفراد إن سلوكا كهذا سينعكس عليهم سلبيا.

الجريدة الرسمية