رئيس التحرير
عصام كامل

جنون الأسعار عرض مستمر.. ذنب المصريين فى رقبة حكومة مدبولى.. خبراء: فشلها السبب فى تفاقم الأزمة.. ومصر تواجه حرب أسعار وليس مشكلة غلاء

الشارع المصري، فيتو
الشارع المصري، فيتو

لا أحد يدفع ثمن التضخم مثل الفقراء والبسطاء ومحدودى الدخل، أو بالتعبير الدارج «الغلابة»، يؤدى ارتفاع الأسعار إلى تفاقم الأزمات فى حياتهم بصورة كارثية، بل يصبح بالنسبة لهم هو الجحيم بعينه.

يدهس الغلاء الناجم عن التضخم هؤلاء الذين يعيشون على حد الكفاف، يؤدى إلى خفض الحد الأدنى الحقيقى للأجور، ويخفض مستوى المعيشة بشكل مرعب، خاصة أنهم يعملون فى الغالب بوظائف لا تعدل الدخل مراعاة لهذه الأزمات.

Advertisements

يلتهم التضخم ميزانيات الأسر الفقيرة، ويزحف إلى أبناء الطبقة الوسطى أيضا، الذين تتكالب عليهم تكاليف ضروريات الحياة، ما يعرض أمنهم الغذائى إلى أخطار غير مسبوقة.

كما يؤدى التضخم المرتفع إلى زيادة رقعة الفقر، ويُسقط المزيد من أسر الطبقة الوسطى فى هذا البئر السحيق، وتقل جودة الحياة، ويصبح الغذاء الضرورى بنظام صحى من مستحيلات الواقع، وينحصر كفاح هؤلاء فى كيفية الحصول على طعام يبقيهم على قيد الحياة، بما لذلك من تداعيات مؤلمة على نقص وسوء التغذية، فالأم الحامل يضر التضخم بنمو طفلها ويقل وزنه عند الولادة، ويترجم ذلك إلى انخفاض فى متوسط العمر المتوقع للطفل.

وإذا أفلت الطفل من هذا الواقع، فإن سوء التغذية لن يتركه، وسيعانى لاحقا من ضعف القدرات الإدراكية التى تعيق التعلم والأداء المدرسي، مما يؤثر على نوعية حياة الطفل فى المستقبل.

كما أن الطفل الذى ينشأ وهو يعانى من سوء التغذية فى فقر مدقع، سيكافح عندما يكبر من أجل البقاء فقط، مما يزيد من احتمال بقاء الأسر محاصرة فى دائرة الفقر لأجيال، وللتحذير من كل هذا كان هذا الملف من «فيتو».

 

جنون الأسعار تخطى كل الخطوط الحمراء، وأصبح فى أشد الحاجة إلى وضع الحلول لمواجهته خاصة مع قرب موسم شهر رمضان المبارك، وارتفاع أسعار السلع كافة، الأمر الذى أنهك المواطنين، والجميع يتساءل: متى ستنتهى الأزمة الراهنة، وما هو الدخل الملائم لحياة كريمة فى ظل الارتفاعات الحالية؟

يرى محمد عبد الستار نقيب الفلاحين الزراعيين، أن ارتفاع أسعار السلع الحالية يرجع إلى فشل الحكومة، وإلى الأخطاء فى سياسة وأداء الحكومة، وأن هناك قرارات اتخذتها الحكومة كانت السبب فى ارتفاع أسعار السلع بهذه الصورة.

واستطرد قائلًا: التجار براءة من أزمة ارتفاع أسعار السلع، فالحكومة تعلق أخطاءها على شماعة جشع التجار، وفى ظل الظروف الراهنة أقل أسرة حتى تتمكن من العيش حياة كريمة فى ظل ارتفاع الأسعار تحتاج إلى دخل لا يقل عن 15 ألف جنيه.

وأشار إلى أن أسعار اللحوم ليست غالية رغم ارتفاع سعرها الحالى بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، قائلًا: «اللحمة والفراخ واللبن والجبنة مش غاليين أبدًا مع سعرهم الحالى بسبب ارتفاع أسعار العلف، والجزارين بيخسروا حتى عند بيع اللحوم بسعر 400 جنيه، فالجزار يخسر نحو 30 جنيهًا فى كل كيلو، لأنه يشترى القائم بسعر 200 جنيه، ويحصل على نصفه صافى، وعليه لم يكسب شيئا، وهذا بخلاف احتساب مصروفات المحل، إلى جانب أن هناك شراء ممارسة أى بدون موازين من الممكن أن يخسر فى العجل 20 كيلو».

وأضاف أن أى ارتفاعات فى أسعار السلع بعيدة عن اللحوم والدواجن ومشتقاتهما الحكومة شريكة فى هذه الزيادة، فمثلًا الحكومة شريكة فى رفع أسعار الزيت مع المحتكرين، والحكومة شريكة فى التربح الفاحش للمستوردين، فمثلًا الزيت من السلع الاستراتيجية التى توفر الحكومة للمستورد نحو 80% من الحصة الدولارية التى يحتاج إليها لإتمام العملية الاستيرادية، ويوفر المستورد نحو 20% من احتياجاته من العملة الصعبة، ومع هذا المستورد يحاسب المواطن على أنه دبر كامل العملة بنسبة 100%، وعلى أساس أن الحكومة لم تسهم فى تدبير العملة له بالسعر الرسمى، والحكومة تعلم بهذا وعلى دراية تامة بهذه الممارسات.

وتابع: يقاس على ذلك كل المنتجات الغذائية والدوائية بنفس الطريقة، الحكومة تقوم بتدبير 80% من الدولار لاستيراد، والحكومة تعلم من خلال المستندات المبلغ الذى تمت به العملية الاستيرادية، وتستطيع تحديد أرباح المستورد، وعليه فإن تفاقم الأزمة وارتفاع الأسعار ناتج عن أخطاء الحكومة وسياسة الحكومة وفشل الحكومة، حتى أنها لم تستطع حل أزمة ارتفاع أسعار السجائر التى ننتجها فى مصر، وما زالت أسعار السجائر تسجل ارتفاعات تتخطى الضعف.

أما الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية بالقاهرة، فيقول إنه لتقدير حجم المشكلة يجب تحديد السلع المستوردة التى شهدت ارتفاعات كبيرة فى الأسعار، مثل الزيوت التى نستورد منها 95%، الفول والعدس والبقوليات نستورد بنسبة تصل إلى 60% من الاحتياجات، ومستلزمات الإنتاج من الذرة والصويا، نستورد نحو 80% من الذرة و95% صويا.

وأوضح «السيد» أنه بعد تحديد السلع المستوردة، يجب الإجابة عن سؤال مهم، هو: عند استيراد هذه السلعة هل يتم تدبير الدولار من البنك أم السوق الموازية؟ فإذا كان استيراد هذه السلعة من خلال تدبير العملة من البنوك على السعر الرسمى، فإنه يجب محاسبة هذا المستورد محاسبة عسيرة، بخلاف إذا كان يقوم بتدبير العملة من السوق الموازية غير المستقرة، وبالتالى فإن استقرار سعر الصرف وعدم وجود سوق موازية كفيلان بالعمل على انضباط الأسعار بشكل كبير، وإذا لم يحدث هذا فلن يحدث استقرار فى الأسواق.

وأضاف أن حماية المواطن بدأت مع الحزمة التى أصدرتها رئاسة الجمهورية بشأن رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة المرتبات والمعاشات التى تعتبر خطوة جيدة فى وقت دقيق نظرًا لقرب شهر رمضان، خاصة أنه سيتم صرف هذه الزيادات فى شهر مارس، ولكن الأهم من هذا العمل على استقرار الأسعار، لأن الارتفاعات كبيرة ولا يتحملها المواطن المصرى حتى بعد هذه الحزمة من الزيادات.

وقال إن رئيس الجمهورية أشار فى حديث سابق له إلى أن المواطن حتى يستطيع «أن يعيش كويس محتاج 10 آلاف جنيه» وهذه الحزمة لم تصل لـ10 آلاف جنيه، وعليه لن يستطيع المواطن توفير احتياجاته، ولذلك نحتاج إلى قرارات تساعد على استقرار أسعار السلع، مضيفا أن حل الأزمة الراهنة على المدى القريب لا بد أن يكون هناك وفرة من السلع الاستراتيجية، وأن تتدخل هيئة السلع التموينية فى بعض الأمور الخاصة باستيراد السلع الاستراتيجية حتى يتم ضبط الأسعار وضمان عدم وجود منافسة فى لرفع السعر بين التجار.

وتابع: إلى جانب العمل على استقرار سعر الصرف الذى سيؤدى سريعًا إلى انضباط الأسواق، وتوفير كل السلع الاستراتيجية بأسعار تتناسب مع دخول المواطن قبل شهر رمضان فى المجمعات الاستهلاكية بشرط الرقابة الصارمة، إذ لا نستطيع أن ننكر أن الدولة تطرح سلع فى المجمعات بأقل من تكلفتها الحقيقة وتتحمل هى فروق التكلفة حتى توافر للمواطن السلع بأسعار مناسبة.

وتابع: يجب أن تكون هناك خطة على المدى البعيد، على رأسها العودة للدورة الزراعية، وزيادة المساحات المزروعة من الحبوب والبقوليات والذرة والصويا والزراعات الزيتية لتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج، التى معها سيؤدى إلى تخفيف العبء على ميزان المدفوعات والعمل على انضباط فى السوق.

وفى نفس السياق، يقول محمود العسقلانى، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك: «إنه فى مثل هذا التوقيت من العام الماضى كان أغلى كيلو لحم بسعر 250 جنيهًا، الآن يتراوح سعر اللحوم ما بين 400 جنيه و450 جنيهًا، بمثل هذه الزيادات يجب أن تكون الزيادة فى مرتب المواطن، فإذ كانت الأسعار ارتفعت الضعف فيجب زيادة راتب المواطن بنفس النسبة وليس أقل منها».

وأضاف «العسقلاني»: لا نستطيع أن نقول إن تدخل الدولة فى هذا التوقيت بإعلان حزمة من الحماية الاجتماعية أمر سيئ بل إيجابى، ولكنه «يا ريت الرئيس ما زود المرتبات لأن التجار لما بيشموا ريحة زيادة مرتبات كله بيسن السكاكين لسلخ المستهلكين بزيادة الأسعار».

وتابع: أرى أن هناك حالة من عدم الرشد داخل السوق المصرى، وتوجد ناس تفتقر إلى الضمير والأخلاق والدين، مضيفًا: «فى ناس اشترت السلع والدولار فى السوق السوداء بـ 30 جنيهًا دلوقت عايزين يبعوا على أساس أنهم اشتروها والدولاربـ70 جنيهًا» هذا ليس منطقا وحرام.

وأشار إلى أن الأزمة ليس سببها نقص السلع، قائلًا: لا يوجد نقص فى السلع بل هو نقص ضمير وأخلاق وإنسانية، وفى مصر الآن حماية مواطن درب من دروب الخيال، لأن مثلًا جهاز حماية المستهلك الذى يعد حائط المبكى والشماعة التى نعلق عليها فشلنا عند ارتفاع الأسعار «نسأل فين جهاز حماية المستهلك؟».

وأضاف: هذا الجهاز يعمل به 500 شخص ومن لديه ضبطية قضائية عدد محدود منهم، إضافة إلى وزارة التموين المنوط بها الرقابة على الأسواق ببساطة «التموين فى مصر منجلكمش فى رقابة بقى»، لأن عنده أقل من ألف مفتش تموين على مستوى الجمهورية وهو عدد غير كاف.

وقال إن الحل من وجهة نظره بتعديل القانون حتى يسمح بتأدية خريجى الجامعات الخدمة العامة لهم لمدة عام كمراقبى أسواق، فنحن أمام أزمة رقابة، ولن يحدث ضبط فى الأسواق والأسعار إلا برقابة صارمة.

ولفت إلى أن الفقراء ومحدودى الدخل يحتاجون إلى مبلغ لا يقل عن 10 آلاف جنيه، حتى يستطيع أن يعيشوا حياة بسيطة فى ظل ارتفاع الأسعار، فوجبة الغداء دون بروتين تكلف 200 جنيه أى تتخطى الـ 6 آلاف جنيه فى وجبة واحدة على مدار الشهر، فكم سيحتاج لتدبير احتياجاته كلها؟

ومن جانبه، يرجع وليد عبد المقصود، المحامى ورئيس مبادرة معًا لإنقاذ الأسرة المصرية، أزمة ارتفاع الأسعار فى مصر إلى 3 عوامل، قائلا: إن الأحداث المتتالية التى حدثت عالميًا منذ فترة انتشار فيروس كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وصولًا إلى العدوان على غزة وحتى الأحدث فى مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر، كل هذه عوامل أثرت على الاقتصاد العالمى من جهة وعلى مصر من جهة أخرى، فمصر فى مرمى النيران ولا يوجد فى العالم دولة حدودها على خط النار مثل مصر.

وأضاف أن العامل الثانى متسبب فيه الحكومة الذى منه زيادة الديون الخارجية، بالرغم من أن هدف الحكومة نبيل وهو تنمية الاقتصاد المصرى، لكن كان من الضرورى مع التخطيط لأهداف نبيلة أن تضع الحكومة فى الاعتبار المؤثرات الخارجية والعوامل القدرية التى قد تطرأ وتؤثر على الاقتصاد المصرى مثل الوضع الراهن، إذ أنه عندما ارتفع الدين الخارجى زاد العبء والضغط على الدولار.

وتابع: إضافة إلى أن المشروعات التى قامت بها الدولة مشروعات عظيمة، لكن كنا نحتاج إلى حدوث توازن فى المشروعات الهادفة إلى التصدير لتوفير عملة صعبة بشكل كبير وأن تكون إنجازها أولوية قصوى، فلا يستطيع أحد أن يقلل من أهمية مشروعات البنية التحتية من كبارى وطرق، لكن فى ظل الأحداث ما بعد 2011 و2013 كان يتعين على الحكومة أن يكون الهدف الاستراتيجى الأول لمصر الصناعات التى تهدف إلى توفير العملة الصعبة وتحقيق الاكتفاء الذاتى.

وأشار إلى أن العامل الثالث يقع على المواطنين، قائلًا: «عمرى ما شفت فى العالم شعب منتظر التعويم وفرحان، ونطلق الشائعة قبل أن تحدث، وساهم فى ذلك السوشيال ميديا، التى خربت جزءا كبيرا من البلد بأهدافها المغرضة فى الضغط ونشر شائعات عن الاقتصاد المصرى بشكل مبالغ فيه».

وقال «عبد المقصود» أن الأجهزة الرقابية فى مصر أثبتت فشلها، ونحن فى ظرف استثنائى من عمر هذا الوطن يتعين علينا اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة حرب الأسعار، بتغليظ العقوبات على المتاجرين بالنقد الأجنبى خارج البنوك والمؤسسات المصرفية، وإسناد الرقابة على الأسواق إلى جهة قادرة على ضبط الأسواق ومجابهة الفساد، وضرورة الضرب بيد من حديد لكل محتكر ومتاجر ومغالى يتاجر بدماء وآلام المصريين.

الجريدة الرسمية