رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة الغزالي حرب!

عقب التخرج اصطحبني الراحل الكريم الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة -لنا عنه في الماضي والحاضر قصص ومقالات-  إلي اللواء محمود خليل بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ليرشحني له لمساعدته أثناء الخدمة الوطنية بأبحاثه عن أزمة المياه القادمة -وقتها وقد كانت مؤسسات القوات المسلحة متنبهة للأزمة مبكرًا- لمنطقتنا العربية!

 

وعقب إنهاء الخدمة الوطنية اصطحبني الراحل الكريم نفسه إلي الدكتور أسامة الغزالي حرب وكان رئيسًا لتحرير مجلة السياسة الدولية ليرشحني للعمل معه.. وقد كان.. واستمر ذلك لأسابيع إنتهت بالرحيل إلي جريدة أخري سعيًا للحصول المبكر علي عضوية نقابة الصحفيين حلم كل الساعيين للإنتساب إلي صاحبة الجلالة!

Advertisements


عرفت الرجل مباشرة قبل سنوات طويلة.. وشيئا فشيئًا تباعدت المسافة ليس لتباعد الجغرافيا واختلاف أماكن العمل إنما لهوة في الموقف السياسي ظلت تكبر وتكبر رغم معرفتي بالمنطلقات الأولي للدكتور أسامة الغزالي حرب.. لكن تلك المعرفة كانت عليه وليست له!

 
صار مع المؤيدين للتطبيع ثم صار من المقربين للجنة السياسات ولرئيسها.. رمزًا من رموز الحزب الحاكم المتحكم في مصر سابقًا.. وكنا نراه أكبر من ذلك كله.. ومع ذلك.. ورغم ذلك.. لسبب ما لا نعرفه منعنا من كراهيته أو اتخاذ موقف حاد منه.. كنا نحترمه التقيناه أو جاءت سيرته.. لماذا؟ هل لسمات شخصية عنده؟ لتواضعه؟ علمه؟ ذوقه وأدبه الجم في التعامل مع غيره؟ علي كل ذلك؟ لا نعرف!

شجاعة أسامة الغزالي حرب


وفجأة.. يفجر أسامة الغزالي حرب -مع حفظ كل الألقاب- مفاجأة مدوية أربكت حسابات السلطة ومن معها ومن فيها وقتها.. الدكتور الغزالي يرفض أهم وأخطر مواد التعديلات الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية في 2005 وينحاز للمعارضة منها ويصوت ضدها! 

 

حرج بالغ لجمال مبارك من أقرب رموز لجنته وإليه! الدوائر السياسية تفتش عن الأسباب بينما الخبثاء يبحثون عن النتائج! وقد كان.. فقد كان أن خسر الرجل منصبه المنتظر له المرشح الأوحد لتوليه وهو حلم كل "الأهراميين" وهو منصب رئيس مجلس إدارة الأهرام! -وقيل منصب آخر- وهو يعادل أدبيًا أعلى من منصب الوزير ولكنه من المؤكد أنه يفوقه ماديًا بمراحل!


دفع الرجل ثمن موقفه راضيًا مرضيًا! يقول لي -من بين ما قال لي-  أنه أختار أن يحترم نفسه وهذا عنده أهم شئ وهو ما بقي له فعلًا!


تدور الأيام ويقف أسامة الغزالي حرب أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي ويرفض في 15 أكتوبر 2016 بشجاعة كبيرة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة علنا، ولكنه وبشجاعة أكبر يعود في 21 يونيو 2022 يتراجع عن موقفه ويعلن أنه أخطأ في تقديراته للمشروع ثم يقدم حيثياته كاملة!


وبعد أكثر من ربع قرن من موقفه من التطبيع يعود ويعتذر عنه كله.. رأيه كله.. انحيازه كله.. ويبكي علي الهواء في برنامج "في المساء مع قصواء" مع الإعلامية المحترمة قصواء الخلالي من مشاهد قتل الأطفال في غزة ويعلن ندمه علي ظنه في كيان لا يعرف التعايش مع الآخرين ولا يعرف إلا سفك الدماء والقتل والخسة!


في كل مرة لم يكن للرجل مأرب أو مغنم.. بل كان العكس.. أضاع ب "رفعة يد " في مجلس نيابي غير مؤثر  الجاه والمال وظن في العدو المجرم حسنا واعتذر علنًا وأساء الظن بأحد أهم مشروعات مصر وتراجع عنه!

 


إنها مواقف لرجل يغادر عامه الـ 76 في رحلة الشيخوخة أطالها الله.. لكنه يبدو صبيًا بحيويته.. شابًا بعلمه وإحساسه وحسه وقدرته علي صناعة السلام النفسي.. لنفسه.. مع ذاته ومع الآخرين!

الجريدة الرسمية