رئيس التحرير
عصام كامل

لم يعد معلمًا!

تُرى لو كان أمير الشعراء أحمد شوقي يحيا بيننا ورأى ما نرى من تدهور مكانة المعلم أكان سيقول: «قم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا».. أم يكتفي بالقول: «إذا أصيـبَ القومُ فى أخلاقِـهمْ، فأقـمْ عليهـم مأتمًا وعـويلا، إنّى لأعذركم وأحسـب عبئـكم، من بين أعباءِ الرجـالِ ثقيـلا، وجدَ المساعـدَ غيرُكم وحُرِمتـمُ، فى مصرَ عونَ الأمهاتِ جليـلا»..

 

المعلم لم يعد للأسف معلمًا بمواصفات زمان.. بل صار مجرد مدرس يعطي دروسًا خصوصية بمقابل مادي.. وشتان الفارق بين معلم أجيال يربي ويزرع القيم في تلاميذه وبين مدرس تدفعه الحاجة للتنازل عن مقامه الرفيع.

Advertisements

المعلم والطالب


للأسف تدهورت علاقة رسول العلم بتابعه الأمين بعد أن صار يحكمها مبدأ نفّعنى وأنفعك.. تحوّل التابع الأمين إلى مموّل للرسول، فكيف إذن سيؤدى الأخير رسالته بعد أن سقطت هيبته وكيف سيؤدب تابعه إذا ما اعوج سلوكه أو ساء خلقه.. ثمة مقولة شائعة أن المدرس طالما دخل البيت وأكل الكيك وشرب الشاى فكيف سيحترمه تلميذه.. وكيف لا يسيء الأدب من أمن العقاب؟!


ما يحدث حاليًا أن المدرسة تجردت من دورها الفعال واكتفت بأن تكون مجرد مستودع لملفات الطلاب لحين أداء الامتحان، ولم يعد هناك شرح ولا عملية تربوية ولا غرس للأخلاق.. ولا ارتباط بين المعلم والطالب.. ومع سوء أحوال المعلم اقتصاديًا بدأ يبحث عن نجاته في جيب أولياء الأمور..

 

يسعى لاستغلال الطالب للحصول على حقه في حياة كريمة ضنت عليه الظروف بها، وفي المقابل استغل الطالب احتياج المعلم له فتجرأ عليه ودفعه لتقديم تنازلات لقاء المال الذى يدفعه ثمنا لدروس خصوصية باتت آفة تعليمنا وسببًا لفساد منظومة مجتمعية كاملة تلاشت فيها القيم الأخلاقية وضاعت معها أي مجانية حقيقية للتعليم.. فكيف السبيل إلى استعادة هيبة ووقار المعلم الذي كنا ننحنى له إجلالًا وحبًا واحترامًا في الزمن الجميل؟!


الدراما أسهمت هى الأخرى في تدهور العلاقة بين المعلم وطالبه، فمنذ خرج علينا الفنان نجيب الريحانى بعمله الفنى أستاذ حمام، طالت السخرية المعلم والمأذون وشيخ المسجد ونزلت بهم من مكانة رفيعة إلى الازدراء والاستهانة، وجاءت الدروس الخصوصية لتهدر ما بقي من هيبة للمعلم، فالمعلم صار اليد السفلى وصارت يد التلميذ هى العليا..

 

أما ضعف المعلم أكاديميًا، فحدث ولا حرج وهو ما يعنى ضعف الشخصية وفقدانها التأثير التربوى المطلوب ناهيك عن عدم تأهيل أكثر المعلمين نفسيًا وعلميًا بما يكفى لإحداث ما نرجوه من إصلاح.
فمن يحمي المعلم إذا كان ما افتقد الشخصية القوية، فلا علم ولا أداء ولا احترام من المجتمع ولا حتى تقدير مالى من الدولة.


فى الزمن الجميل كان المعلم قامة فكرية عظيمة وله هيبة خاصة تضمن انضباط العملية التعليمية، لكن الهيبة سقطت واستشرى الغش في الامتحانات وصار ثقافة يباركها المجتمع ويشارك فيها، وهو ما أنتج طالبًا فاسدًا لن يكون في المستقبل سوى موظف أو طبيب أو مهندس أو محام.. أو.. أو.. أو مسئول أكثر فسادًا..

 

 

لقد كان مدرسونا يربوننا ويعلموننا، نحبهم ونهابهم ونحترمهم، بينما يتجرأ اليوم الطالب على معلمه فيشتبك معه في معركة حامية تتشابك فيها الأيدى وقد تزهق فيها الأرواح والمؤكد أنها تزهق روح الأخلاق والأدب في المجتمع كله.. الأمر الذي يعنى أنه لا إصلاح للأخلاق دون إصلاح التعليم، فهو البداية الحقيقية لأي نهضة أو إصلاح.

الجريدة الرسمية