رئيس التحرير
عصام كامل

ابحث عن السعادة في مكارم الأخلاق

في زمن السوشيال ميديا بات التريند غاية في ذاته ننتهك في سبيله روح الفضيلة والقيم والمحارم.. وفي سبيل تحقيق أعلى تريند  يجرى نشر الغسيل القذر من أسرار الزيجات والخلافات الزوجية بين الفنانين والفنانات ولاعبي الكرة ونجوم المجتمع.. التغير بات سريعًا ولكننا أسرع منه انحدارًا، فنحن الباحثون عنه في كل تفاصيل حياتنا وفي حياة الآخرين.. 

 

نفتش فيها بدأب وننهش الخصوصيات بلا وعي ولا رادع من ضمير أو خلق.. نسينا أن جمال القيم في الحفاظ عليها والتحلّي بها وتجسيد القدوة الحسنة عمليًا لأولادنا لاستنقاذهم من براثن الضياع في غياهب الفضاء الإلكتروني.

Advertisements


قديمًا عاصرنا رجالًا ونساء لم يعرفوا القراءة والكتابة، لكنهم اتقنوا علم الكلام المفيد والتربية الصالحة وأنتجوا جيلًا واعيًا.. لم يدرسوا الأدب لا في المدارس ولا في الجامعات لكنهم علمونا الأدب والتراحم واحترام الكبير والعطف على الصغير.  


لم يدرسوا قوانين الطبيعة ولا علوم الأحياء لكنهم علمونا فن الحياة وحب الحياة والعيش بكرامة وشرف.. ربما لم يقرءوا كتابًا واحدًا عن العلاقات الإنسانية، ولكنهم علمونا أن الدين المعاملة والاحترام والحياء وطاعة لوالدين وصولًا لرضا رب العالمين. 


ربما لم يدرسوا الدين في الأزهر، لكنهم علمونا معنى الإيمان والإخلاص والسعى والأخذ بالأسباب وإعمال العقل فيما خلق الله.. لم يدرسوا التخطيط في المعاهد والكليات.. لكنهم علمونا بُعد النظر وحسن التدبير والتزام المبدأ والكلمة.. كانت كلمتهم وعدًا واجب النفاذ.. ووعدهم ميثاقًا لا يجوز التحلل منه أو نقضه..

 

علمونا أن الرجولة التزام وأن الكبار بأخلاقهم لا بأملاكهم.. كانوا فقراء في المال لكنهم كانوا أغنياء النفوس لا يذل الطمع أعناقهم ولا تطويهم الشهوات ولا تغريهم الملذات. 


ربما يقول قائل: هل كان أهل زمان ملائكة.. تُرى لو عاشوا في زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة هل كانوا بمثل ما تصفهم به من خلق حسن وهنا أقول، إن لكل زمان مغرياته ولكل عصر موبقاته.. المهم حسن التربية والنشأة الطيبة.. 

مكارم الأخلاق

فرغم موبقات عصرنا فثمة كثيرون تربوا تربية حسنة وما زالوا يحيون بأخلاقهم كرامًا لا تفتنهم الدنيا ولا تثنيهم العقبات عن التمسك بالفضيلة ومكارم الأخلاق.. فالخير موجود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لكنه يقل تدريجيا حتى تقوم الساعة على شرار الناس أعاذنا الله منهم.


يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه أناشيد الإثم والبراءة لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقرًا!.. وكلما طاوعت رغاتبي ازدادت جوعًا وإلحاحًا وتنوعًا.. حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعًا وحرصًا وحينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشًا وتطلعًا إلى التلوين والتغيير.. وكأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ..


يضيف مفكرنا الكبير: "ما حسبته حرية كان عبودية وخضوعًا للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطًا إلى درك الآلية المادية وإلى سجن الضرورات وظلمة الحشوة الطينية وغلظتها.. كنت أسقط وأنا أحسب أني أحلق وأرفرف..


وخدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر وزوقها بالخيال الكاذب وزينها بالعطور وزفها في أبهة الكلمات وبخور العواطف.. ولكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللا شيء والخواء.


ثم يصل إلى نتيجة حاسمة غايتها رضا الله ورضوانه.. فإن رضى أدهش بعطائه كما خاطب نبيه الكريم في قوله تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى" (الضحى:5)، يقول د.مصطفى محمود: إلهي.. لم تعد الدنيا ولا نفسي الطامعة في الدنيا ولا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا ولا الكلمات التي أحتال بها على هذه الدنيا مرادي ولا بضاعتي..


وإنما أنت وحدك مرادي ومقصودي ومطلوبي فعاوني بك عليك وخلصني بك من سواك وأخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسارة! 


خلاصة القول أن الخلق الحسن يشرح الصدر فلا تضيق بالدنيا وأهلها ذرعًا بل تصبر على مخالطة الناس وأذاهم، وتعلم أن الحياة ابتلاء وجهاد وصبر، وأن الآخرة دار حصاد، فإن عاملت الناس بأخلاقك فتلك شيمة الكبار، يقول الإمام على كرَّم الله وجهه: "إصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن صادف أهله فهو أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله".


يقول الشاعر:
إن الكرام وإن ضاقت معيشتهم     دامت فضيلتهم والأصل غلابُ
لا يعرفون الشر قيد أنملة            هم دائما وأبدا للخير أسبابُ
فى قلب من يلقون تلقى محبتهم     وهم لكل الخلق صحب وأحبابُ

 


الأخلاق سر بقاء الأمم ونجاح الأفراد وخلود الحضارات.. والرضا مفتاح السعادة.. والعطاء أعلى مراتبها.. فإذا رضيت بما قسمه الله لك كنت أغنى الناس، وإن أعطيت دون انتظار شكر من أحد فإن الله سيرضيك.. فاجعل رضا الله غاية أما رضا الناس فغاية لا تدرك، فلا تتعب نفسك في البحث عنها.

الجريدة الرسمية