رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة الذهب في السودان

مثلما كان النفط في جنوب السودان سببا في الحرب وانفصال الشمال عن الجنوب عام 2011 يبدو الآن أن الذهب يعيد نفس السيناريو، بحرب عبثية بين الجيش وميليشيات الدعم السريع لتصبح النعمة نقمة، ويحذر جيولوجيون من أن الثروات المعدنية الأخرى غير المستغلة مثل خامات الحديد والنحاس والفضة والمايكا والمنغنيز والكروم والبلاتين والتالك والرمال السوداء والرخام وغيرها، ربما تفتح الباب واسعًا لتغذية صراعات أهلية أخرى، إن لم تكن سببًا في حدوثها..

Advertisements

 

خصوصًا مع تساهل الدولة في مسألة التعدين الأهلي والاستنزاف المستمر الناتج من الاستغلال المفرط، أو ربما تؤدي إلى صراعات أخرى ناتجة من تدخل خارجي والغريب انتشار مناجم الذهب في أكثر مناطق السودان فقرا وحروبا ومجاعة، وهكذا أصبحت العلاقة بين النزاعات والذهب واضحة، ولكن لا يمكن تبسيطها لدخول أطراف عدة هي الحكومة السودانية والشركات المستثمرة والمعدنين الأهليين وقوات الدعم السريع وقوات فاغنر الروسية.


غير أن التحولات الأخيرة في علاقة مجموعة فاغنر بوزارة الدفاع الروسية وإتهام رئيسها للجيش الروسي بالتسبب في نقص الذخيرة لدى عناصره، يمكن أن يعيدا هيكلة العلاقة بين فاغنر والدعم السريع، مما يؤثر في وتيرة الصراع في أوكرانيا والسودان، حتى لو بعد أمد طويل لأن الذهب السوداني الذي يستمر تهريبه من قبل فاغنر، يمكن أن يسد النقص في الأسلحة والذخائر التي تحتاج إليها روسيا.

النفط والذهب


وقد سيطرت قوات الدعم السريع على منجم جبل عامر للذهب في دارفور منذ عام 2017، وعلى ثلاثة مناجم ذهب أخرى على الأقل في أجزاء أخرى من البلاد، مثل جنوب كردفان، مما حول حميدتي إلى أحد أغنى رجال السودان، وجعله لاعبًا رئيسيًا في أبرز مورد من الصادرات السودانية الأمر الذي جعل التنقيب المرتبط بالعصابات المسلحة هو الشكل السائد للتنقيب في المنطقة. 

 

وهكذا اصبح النفط والذهب هما بمثابة نقمة ولدت الصراع في السودان. في حالة النفط سيطر النظام السابق منذ تسعينيات القرن الماضي على النفط وعائداته، ولم تستفد الدولة ولا المجتمعات المحلية منه بفعل الفساد المستشري وسيطرة فئة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك، بينما كان الجيش الشعبي التابع لـ الحركة الشعبية لتحرير السودان ينفذ ضربات على آبار ومصافي النفط في أوقات عدة مدفوعًا بالمظالم من سيطرة الحزب على هذه الثروة. 

 

كما برز الذهب كمؤشر إلى إطالة أمد الحرب الحالية، إثر سيطرة قوات الدعم السريع علي المناجم إضافة إلى دخول روسيا بواسطة مجموعة قوات فاغنر شبه العسكرية التي تمول عملياتها منه.


ويحتل السودان المركز الـ13 عالميًا والثالث أفريقيًا في إنتاج الذهب، حيث ينتج نحو 80 طنًا سنويًا ويمثل المعدن الأصفر نصف صادرات السودان ويهرب حوالى 80 في المئة من الإنتاج، بينما تقدر الاحتياطات غير المستغلة بنحو 1550 طنًا وصدر السودان.

 

 

في العام الماضي بلغت صادرات الذهب 1.6 مليار دولار، ويعمل في التنقيب أكثر من 2 مليون شخص وجاء مئات الأفارقة من تشاد وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإريتريا، ونيجيريا والنيجر -وآخرون من خارج القارة- إلى جبل عامر بحثًا عن ذهبه الذي تقدر احتياطاته بمليارات الدولارات، والذي يهرب بمختلف الطرق إلى الخارج، تاركًا وراءه مئات القتلى بين حروب العصابات، والعمل الشاق البخس الثمن، وآلاف المشردين بلا مأوى.

الجريدة الرسمية