رئيس التحرير
عصام كامل

139 جمهورية.. الذي سبق زمانه!

139 جمهورية أو قسم الخدمات الصحفية المتميزة سيظل أيقونة صحفية جماهيرية سبقت زمانها في استحداث لون صحفي جديد للصحافة العربية؛ وهو صحافة المواطن الذي شارك وقتها في صناعة الخبر والتحقيق والتقرير وحتى الحوادث التي كانت تصل لمسامع الجريدة قبل أن تعلم بها الحكومة ذاتها باستخدام الهاتف الأرضي قبل 22 عامًا.. وقبل أن يتربع المحمول وتطبيقاته على عرش التكنولوجيا. 


139 جمهورية أو الخط الساخن كما سمّاه الكاتب الصحفي الكبير سمير رجب رئيس مجلس إدارة وتحرير الجمهورية آنذاك، مبدع الفكرة وداعمها الأكبر حتى خرجت إلى النور تحت إشرافي بعد أن أوكل إلىَّ مهمة تأسيس هذا القسم الجديد.. 

 

وبالفعل قبِلت الإشراف علي 139 جمهورية شريطة اختيار جميع أعضائه بنفسي، إلى جانب عملي وقتها نائبًا أول لرئيس التحرير، ومسئولًا عن ملف النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. وبالفعل وقعنا البروتوكول مع وزارة الاتصالات في 14من أكتوبر عام 2000.. وبدأنا العمل في العام التالي مباشرة.

تجربة 139 جمهورية

139 جمهورية خدمة صحفية انفردت بها جريدة الجمهورية وامتازت بها على سائر الصحف وقتها ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والشرق الأوسط كله؛ وكان مندوبو القسم ومحرروه خلية نحل يواصلون العمل ليل نهار دون كلل أو ملل؛ منهم من يتلقى شكاوى الناس واستغاثاتهم واتصالاتهم، مصغيًا باهتمام وبمتابعة دقيقة لمتاعبهم وأوجاعهم.. 

 

ومنهم من كان يطوف بها على المصالح والأجهزة الحكومية والوزارات المختلفة ويطرق أبواب المسئولين بحثًا عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعًا لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة والأعذار.. ومنهم من يقوم على صياغتها وإعدادها للنشر ويحيل تلك الشكاوى والاستغاثات إلى تحقيقات وحملات صحفية عاجلة حققت نجاحات باهرة شكلت قناة تواصل سريعة بين المسئول والمواطن.. وهي شكاوى يومية كانت تنهمر لدرجة أنها يمكن أن تملأ صفحات 5 جرائد كاملة واستجابات تحتاج إلى مساحات كبيرة لنشرها.


نجحت كتيبة  139 جمهورية في صناعة شعبية كبيرة لجريدة الجمهورية؛ ذلك أنها استطاعت مخاطبة جميع فئات المجتمع، وفي القلب منهم البسطاء والفقراء وأصحاب الحاجات؛ حتى أن الفكرة تطورت لتخصص بابًا لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين وتقديم العلاج المجاني لمن لا يقدر على شرائه بعد التأكد من حالة طالبي الخدمة بطرق موضوعية.


الخط الساخن للجمهورية امتاز بديناميكية عالية واكتسب زخمه من معطيات التكنولوجيا وكسبت فعاليته من اسمه ورقمه المختصر (ثلاثة أرقام فقط) وشكل علامة فارقة وإنجازًا تمثل في الاقتراب من القاريء وسرعة الاستجابة لمشكلاته وتقديم ما ينفعه، وتعميق الدور المجتمعي للجريدة، وهو ما زادها انتشارًا وتوزيعًا بالضرورة؛ فتحققت الفائدة للجميع؛ المواطن والحكومة والمهنة..

 

ولست أدري كيف فرطت جريدة الجمهورية في هذا الرقم المميز بهذه السهولة.. حتى انطفأ هذا التوهج الذي صنع نجاحات مشهودة.. ولماذا لم تتعب نفسها في التفاوض مع وزارة الاتصالات للاحتفاظ بهذه الخدمة التي لم تكلفها مليمًا واحدًا بينما  كان يعود على المصرية للاتصالات نفسها بعوائد اقتصادية يدفعها من يقومون بالاتصال بالجريدة.


ومن أسف أن 139 جمهورية تراجع دوره ورسالته بعد استقالتي من منصبي كرئيس لمجلس إدارة الجمهورية في 2011؛ ولم يهتم من خلفني في هذا المنصب بهذا القسم المهم الذي كانت له إسهاماته الحيوية في خدمة الناس وزيادة توزيع الجريدة وانتشارها..

 

 

وشيئًا فشيئًا انطفأت شمعة صحفية أضاءت يومًا للناس أملًا، وأزالت عنهم همًا، ومهدت للحكومة طريقًا لقياس الرأي العام الحقيقي وبوصلة استشعار لنبض الناس وأنينهم ومواجعهم ومدى رضاهم أو عدم رضاهم عن خدماتها وأداء مرافقها وموظفيها.. ولا أبالغ إذا قلت إن الجميع خسر بتوقف الخط الساخن عن الرنين.. فهل يأتي يوم يعيد الحياة لهذه الخدمة الصحفية التي سبقت زمانها؟!

الجريدة الرسمية