رئيس التحرير
عصام كامل

قفشة.. جائزة الصبر!

لا أستطيع أن أفسر هدف قفشة التاريخي في سياتل الأمريكي إلا بأنه (جائزة الصبر). فنجم الأهلي والمنتخب لم يكن حتى وقت قريب في أفضل حالاته الفنية والبدنية. فقبل 4 أو 5 مباريات على الأكثر  لم يكن أداء قفشة على المستوى المطلوب. وكان جمهور الأهلي غاضبا من تراجع مستوى صاحب القاضية ممكن التي يعتبرها الجمهور أهم هدف في تاريخ قفشة وربما في تاريخ الأهلي نفسه.

 

بل إن بعض جماهير الأهلي هتفت ضد قفشة في بعض المباريات خاصة بعد أن انتشرت شائعة عن رغبته في  الاحتراف بالدوري السعودي.وعلى مستوى المنتخب لم يكن الوضع أفضل حالا. فعلاقة قفشة مع كيروش كانت  في مجملها سيئة. فقد استبعده كيروش ثم أعاده ثم أجلسه على دكة البدلاء ثم غير مركزه ثم أشركه لدقائق معدودة في مباراة قطر بالبطولة العربية وهو ما كان مثار جدل كبير بين الجمهور والنقاد.

 

بعد ذلك استبعد كيروش قفشة نهائيا من قائمة المنتخب المشاركة في أمم أفريقيا 2022 بالكاميرون ثم استبعده من مرحلة الحسم في مبارتي السنغال اللتين تصلان بالفائز بجموعهما إلى مونديال قطر. ووسط كل هذه الإحباطات التي تفقد أي لاعب الثقة في نفسه تحلى قفشة بالصبر ولم يصدر عنه أي تجاوز في حق لاعب أو مدرب.

 

أدرك قفشة أنه لن يستطيع أن يستعيد مكانه أو أن يسترد مكانته إلا بالصبر والعمل والجهد حتى عاد أقوى مما كان وبدأ يستعيد مستواه العالي ويعود إلى التشكيل الأساسي. وانتهز قفشة فرصة أول هدف يحرزه بالدوري فذهب إلى جماهير الأهلي منحنيا ومعتذرا وواضعا تي شيرت الأهلي فوق رأسه.

 

ثم توج قفشة جهده بالهدف المهم الذي أحرزه في الوقت القاتل في سياتل الأمريكي والذي كان بالنسبة للأهلي هو جواز المرور إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية وبالنسبة ل قفشة هو  جائزة الصبر.  

والآن دعك من قفشة اللاعب فأنا وأنت وكل من يقرأ لن نختلف على أنه لاعب كبير وحاضر دائما في المواعيد الكبرى وهدفه في سياتل لايزال حاضرا في الأذهان وهدفه في الزمالك في نهائي القرن لايزال مطبوعا في الذاكرة.

 

أنا الآن سأكتب عن قفشة الإنسان  فأجمل مافي هذا الشاب ليس مهارته أو كفاءته أو قدرته المزدوجة على صناعة الأهداف وتسجيلها بنفس الدرجة من الإتقان. قفشة على غير عادة كثير من زملائه وعلى خلاف المناخ المحيط بكرة القدم حاليا، فهم جوهر الرياضة ومعانيها الحقيقية ودورها الأساسي في ترقية الحس الإنسانى.

 

قفشة رغم أنه لاعب محترف إلا أنه يتعامل مع المنافسات الرياضية بروح الهاوي الذي يبدع ويبتكر في ممارستها داخل الملعب فقط ولا ينزلق إلى متاهاتها وصراعاتها ومكايداتها خارج الملعب. تريد مثالا على ذلك.. بل أمثلة كثيرة ومتعددة وفي مناسبات مختلفة.

 

في لقاء الأهلي والرجاء في كأس السوبر الأفريقي كان سلوك قفشة نموذجيا رغم حساسية المباراة واستفزازات لاعبي الرجاء بل إنه ذهب إلى لاعب الرجاء الذي أضاع آخر ضربة ترجيح وربت على كتفه وتمنى له حظا وافرا في اللقاءات القادمة.

 

والغريب أن هذا السلوك الراقي لم يعجب بعض المتعصبين فوصفوا قفشة بالساذج الذي يعامل الخصوم بالرقي والأخلاق العالية بدلا من أن يستفزهم ويضغط عليهم.

 

تريد مثالا ثانيا، ففي أحد لقاءات الأهلي والزمالك، لاحظ قفشة عقب خروجه وجلوسه على دكة البدلاء أن صبيا زملكاويا صغيرا يبكي بحرقة فذهب اليه واحتضنه وأجلسه الى جواره وهدأ من روعه وأهداه (التيشيرت) الخاص به وقال له: الدوري لايزال طويلا وتمنى له التوفيق.

 

تريد مثالا ثالثا، في مباراة الأهلي والإنتاج الحربي في الموسم قبل  الماضي كان الإنتاج - المهدد بالهبوط - متقدما على الأهلي وحارسه يضيع الوقت بشده أملا في الخروج بنقطة فإذا بقفشة يذهب إليه ولا ينهره أو يركله كما يفعل غيره بل يربت على كتفه  ويهمس في أذنه: والله.. لن تأخذ غير نصيبك.

 

مثال رابع، فقبل يوم من مباراة الأهلي والزمالك في نهائي أفريقيا وهو ما اصطلح على تسميته ب نهائي القرن، استيقظ قفشة مبكرا ودعا الله - كما صرح إلى أحد البرامج - أن يحرز هدفا وأن يخرج لاعبو الاهلي والزمالك متحابين ومن دون إصابات وهو ماحدث بالفعل.

 

وإذا لم تقتنع بكل هذه الأمثلة، فما عليك إلا أن تتابع كلام قفشة عن نادي الزمالك واحترامه الواضح لهذا الكيان الكبير رغم أن هذا التوجه لايلقى قبولا لدى السوشيال ميديا وسوق الرياضة لا تروج مثل هذه البضاعة بالإضافة إلى اعتراف قفشة أكثر من مرة ودون أن يجبره أحد بالتوقيع لنادي الزمالك قبل انضمامه للأهلي رغم أن كثيرا من   اللاعبين يخفون ذلك.

 

وأخيرا، إليك هذا المثال الذي يغطي على كل ماقبله: سأل المذيع قفشة عن شعوره ب (القاضية ممكن) وهو التعبير الذي   وصف به المعلق عصام الشوالي   هدف قفشة القاتل في نهائي القرن ضد الزمالك.

وتوقع المذيع -وهو يستضيف صانع القاضية والمستفيد الأول من ذيوع التعبير وانتشاره- أن يسمع تحفيلا على نادي الزمالك أو تقليلا من نجومه فإذا بقفشة غير متجاوب مع السؤال وغير مستريح لطرحه بهذه الصورة. وكان رده إن هذا التعبير مثلما يسعد ويفرح جمهور الأهلي فهو يحزن جمهور الزمالك وهو لايريد أن يحزن أحدا.

هذا هو قفشة وهذا هو هدفه التاريخي وهذه هي جائزة الصبر للاعب متميز وشاب متميز فهم جوهر الرياضة ومعانيها الحقيقية.

تفاصيل فوز الأهلي على سياتل من هنا

الجريدة الرسمية