رئيس التحرير
عصام كامل

الهرى وسنينه!

بدا واضحا أن الرئيس ليس سعيدا بـ "هري الناس"، ففي أكثر من مناسبة طالب الجميع أن يتوقفوا عن "الهري" معللا ذلك بأن الحكى بغير علم هو مجرد هري مذموم... والناس فيما "يهرون" مذاهب فهناك من يهرى من أجل الهري وهناك من يهرى لغرض في نفس يعقوب وهناك من يهرى دون أن يعلم أنه يهرى وهناك ألف نوع ونوع من الهري.

والهري الذي يقصده الرئيس فيما فهمت هو الكلام في أمور معقدة دون معلومات فتكون النتيجة هي البلبلة وعدم اليقين وسيادة منطق الحكي دون علم وهو ما يؤدى حتما إلى انتشار الأفكار الضبابية.

هكذا فهمت ما يقصده الرئيس غير أن الحكومة لو فهمت مثلما فهمت لما تركت المواطن فريسة للهري بكل أنواعه وكان لزاما عليها أن تقطع الطريق أمام السادة "الهرائين" على وزن “فعالين”. ولكن كيف تقطع الحكومة الطريق على انتشار ظاهرة الهري؟ ببساطة أن تكون لديها شفافية؛ فالمواطن يهرى فيما لا يجد له منطقا أو دليلا وبالتالي فهو يبحث عن اليقين بطريقته التي يراها الرئيس هريا.
 

الهري، ورقصة الجنيه والدولار


يعنى، لو أن  أحدا من الحكومة قبل يوم من رقصة الدولار خرج علينا واحد منهم ليقول كلاما يمهد الطريق لتلك الرقصة أو يقدمها باعتبارها فنا حكوميا خالصا أو باعتبارها رقصة الموت للجنيه للمصري أو باعتبارها شرطا من شروط صندوق النقد الدولي لما كان هناك هري طوال نهار الرقصة وبعض ليلها.

لو أن واحدا من الحكومة أو ممثلا عن السلطة خرج على الناس وقال لهم لماذا لم نحصن صناعة الدواجن التي تغطى احتياجاتنا بمصانع للأعلاف وبدائل للمستورد لما وصل الناس إلى هري الدواجن ولحومها وأرجلها وريشها.

لو أن  واحدا ممن يعتلون الكراسي خرج على الناس وصارحهم بما سوف نبيعه من أصول لما خرج الهري عن النص وتوسع وزاد وخاض وأدخل العامة في دائرة الخوف على مصر ومقدراتها وسيادتها... لو أن واحدا من النظام خرج على الناس وقدم لهم تفسيرا وتاريخا محددا للسنوات العجاف التي سنواجهها لما تخبط الناس فيما أسماه الرئيس هريا بغير علم.

والعلم يا سادة لا يغنى عن الهري؛ فالهري باحة واسعة يطلق فيها المرء العنان لتفسير ما لم يجد له تفسيرا... هكذا الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون أن يسأل أو يجد تفسيرا يريحه أو يؤلمه فالمهم أن يجد تفسيرا.

 

وخلاصة القول، طالما طالت فترات الغموض وغابت الشفافية لن تجد طريقا للقضاء على ظاهرة الهري، فالهري هو المساحة الوحيدة المتاحة أمام إنسان يعيش دون معلومات ودون مصارحة ودون شفافية ودون أمل في غد أفضل.

الجريدة الرسمية