رئيس التحرير
عصام كامل

لقد آن الأوان

لم تعد كلمات التطمين، والحروف المسكنة، تجدى نفعًا مع المواطن المصري.. لم تعد وعود الحكومة البراقة باعثة على تهدئة النفوس.. لم تعد تلك الحلول قادرة، على الحفاظ على شمعة الأمل في الغد المشرق أمام رياح القلق، والغضب اللذان لم يعد كامنين في النفوس.


نعم تلك كلماتك لا مبالغة فيها، فهي صوت منذر متصل لا ينقطع، لمشكلات  لطالما حذرنا منها، وقدمنا لها العديد من الحلول للحكومة، ولطالما توسلنا إليها أن تستمع، ولو لمرة واحدة لصوت النصح، لكنها لم تكن تستجيب إلا لصوت عقلها، وها هي النتيجة ماثلة أمام أعين الجميع، بلا استثناء.. ها هو الوضع لم يعد خافيًا على أحد.


لاشك أن الحرب الروسية قد أثرت على الاقتصاد العالمي تأثيرًا بالغًا؛ لكننا لا يمكن أن نقع، في نفس الخطأ إلى الأبد، وهو أن نحاول أن نجد كل المبررات، لوضع كل المشكلات على شماعات الأسباب، والظروف، ولا نعترف بالخطأ، والفشل، ولو لمرة واحدة، ولو نظرنا للدول من حولنا وعلى رأسها تلك الدول، التي تخوض هذه الحرب، فسنجد فيها بالطبع أزمات اقتصادية..

 

لكن الغريب، والعجيب أنها ليست بحجم، وخطورة الأزمة في مصر، لم تتهاوى العملة في تلك البلاد، بنفس القدر الذي تهاوى إليه، الجنيه المصري الآن، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك خلل حادث، وفشل واقع لابد أن نعالجه، ونصححه في أسرع وقت، ذلك الخلل، وذاك الفشل الحكومة هي المسئولة عنه، بلا شك.    


والسؤال هنا هو.. ما المشكلة أن تعترف الحكومة بالخطأ؟! فجل من لا يخطئ. أين الضير حينما نعترف بالفشل، في شيء ما؟! إن أهم خطوة لحل أي مشكلة، هي معرفة سبب تلك المشكلة، ومواجهة الواقع بشجاعة دون تحايل.

حكومة اقتصادية


نعم مصر الغالية تمر بأزمة غير مسبوقة، وبإذن الله ستجتازها، لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولهذا فعلينا الآن أن ننحي جانبًا أي خلافات، في الوقت الراهن، وأن نُعلي مصلحة الوطن فوق كل شيء، فلو لم نتكاتف جميعًا الآن لإعلاء مصلحة البلاد فالعاقبة لن تكون خيرا أبدا.


ولهذا فلقد آن الأوان أن ترحل هذه الحكومة،  فورًا دون إبطاء بعد ما فشلت فشلا ذريعا، للنهوض بالاقتصاد المصري، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن، وتأتي حكومة اقتصادية، من أعظم خبراء الاقتصاد، المشهود لهم بالكفاءة، والوطنية.. حكومة لا هم لها إلا النهوض بالاقتصاد المصري، إننا لم نعد نملك رفاهية التجارب والتنظير، ولهذا أكرر أنه لابد من حكومة اقتصادية، تعرف كيف تنهض بالبلاد، من كبوتها غير المسبوقة، في أسرع وقت..

 

حكومة تستمع للنصح، وقادرة على ابتكار، وتنفيذ حلول اقتصادية إنتاجية تنموية، لا حكومة مقاولات لا هم لها سوى المشاريع العمرانية..  حكومة تعرف، وتؤمن بمبدأ التقشف على نفسها، وليس على المواطن، الذي آن الأوان أن يتمتع بشيء من تخفيف الأعباء، وزيادة الأجور، بعدما تحمّل ما تنوء الجبال عن حملة، في مسار الإصلاح الاقتصادي، كما قال السيد الرئيس مرارًا، وتكرارًا.


فلا داع للمواكب الفاخرة، ولا للمناسبات التي لا تعود على البلاد بدولار واحد. كذلك يجب أن تتوقف مؤقتًا،  كل المشاريع الطرق والكباري، والمدن الجديدة، والعاصمة الإدارية.. نعم هي مشاريع عظيمة، وعملاقة، والبلاد في حاجة إليها بالفعل، ولذا قلت أن تتوقف بشكل مؤقت، فقط حتى نتجاوز الأزمة..

 

فكل تلك المشاريع العملاقة كبدت خزينة الدولة، ما لا تطيق، وأعتقد أنه لن يكون لها مردود اقتصادي ملحوظ عليه في القريب العاجل، في ظل هذه الأزمة الطاحنة، وبدلا من ذلك يجب علينا أن تتوسع في المشاريع الإنتاجية (زراعية – صناعية - سياحية) وخاصة مشاريع الاستصلاح الزراعي، وغيرها من الحلول الاقتصادية الإنمائية. 

 


الحلول موجودة.. وهي كثيرة ومتاحة لكن يعيبها عدم التنفيذ، وعدم إنصات الحكومة للنصيحة، إنني لا أنتظر أن تتقدم الحكومة، باستقالاتها فذلك مجرد حلم، ولمن ينتظر منها ذلك أقول له: أكمل نومك علك تُكمل الحلم.
قولا واحدًا لن تُحل تلك الأزمة، إلا بتدخل السيد الرئيس، لأنه الوحيد الذي يشعر بمدى معاناة، وقلق المصريين.

الجريدة الرسمية