رئيس التحرير
عصام كامل

مصر التي في خاطري!

بداية اسمحوا لي أن أعترف أن أقوى اللحظات التى شعرت فيها بالانتماء كانت أثناء السفر.. وخاصة في المؤتمرات الدولية التى كنت ممثلًا فيها غير رسمي لمصر.. فلم أكن أعرف معنى المسئولية الوطنية إلا هناك.. مصر كانت دائمًا في خاطري.. كانت المعنى الحاضر الحاضر.. وكنت حين انتظر كلمتي وأثناء إنصاتي لمداخلات الدول المشاركة، كانت عيني لا تفارق علم مصر، وخاصة في سنوات الأزمة أو الثلاث سنوات العجاف في الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠١٣.


فقد كان قلبي يخفق كلما حركت النسائم العلم المصري.. وحين كنت أمشى في شوارع المدن المضيفة كانت لا تفارقني شوارع مصر وقراها وأحيائها الخالدة.. وكانت وشوش البسطاء والأطفال والعجائز في خاطري دائمًا حاضرة.. إنه الإحساس بالانتماء الذى يظهر في وقت الأزمات ويزداد عمقًا في الغربة! 

إنها مصر يا سادة التى لا زالت كلماتها على لسان أبو الهول تتردد في مسامعي.. فما أجمل أن تسمع مصر وهى تتحدث عن نفسها، فيصبح لكلماتها الخالدة وقعا خاصا فى قلوب السامعين.. 


مصر الكفاح والشهيد والفلاح الفصيح.. مصر مينا وأحمس وتحتمس واخناتون.. مصر التى انجبت عرابي ومحمد نديم ومصطفى كامل ومحمد فريد والأخوان فتحي وسعد زغلول.. ومحمد عبده وهدى شعراوي وصفية زغلول وطه حسين والعقاد ومحفوظ والغزالي ومحمد متولي الشعراوي  والعبقري مصطفى محمود..

 
مصر التى إذا قالت قال العالم من بعدها وإذا فعلت تغيرت خريطة العالم السياسية والجيوسياسية..
مصر التى كلفتها السماء بكتابة تاريخ العالم.. وعندها أشرقت شمس فجر الضمير الإنساني.. وفيها دُفِنَّت روح الاستعمار الغاشمة.. فقد كانت مصر حلم كل مستعمِر والمحطة الأخيرة في رحلته!

مصر التى في خاطري 


مصر التى في خاطري هى الجيش العظيم الذى يستعصي على الهزيمة والانكسار، ويعمل أجناده في صمت، ويمسكون بالأمن بقبضة من حديد.. لتحقيق توازن الكون.. وحماية العالم من السقوط، ليكونوا سندًا قويًا للوطن.. وحائلًا بينه وبين السقوط أو الانكسار.. ودافعًا قويًا للنهضة والنمو..


مصر التي فى خاطري.. تكمن في جامعات مصر في ثوبها القديم، التى قدمت للعالم مصطفى مشرفة وسميرة موسى وأحمد زويل.. وهي الأزهر الشريف منارة العالم ومصدر التنوير والاشعاع الحضاري..

مصر التى في خاطري هى مدارس البسطاء النظامية التى يعمل الجميع فيها لا لشيئِ سوى لبناء الإنسان.. بإحساس راق بالمسئولية الوطنية والإنسانية.. حين كانت مدارسنا هى بيتنا الثاني، الذى نشعر دائمًا نحوه بالانتماء.. ونحمل له كل مشاعر الولاء..


مصر التى في خاطري هى شوارعها القديمة الخالدة الخالية من التلوث والتسول والتحرش.. مصر التى في خاطري خالية من سناتر الدروس الخصوصية وتكاليف التعاليم القاسمة لظهور الأسر.. 

مصر التى في خاطري هى مصر الخالية من مستشفيات رجال الأعمال.. مصر التأمين الصحي الشامل للجميع.. مصر العامل المتفاني الماهر الذى يوقظه صوت أذان الفجر.. ويقوده شعاع الشمس إلى بيئة العمل، ويعود  منه مع غروب أخر شعاع فيها!

مصر التى في خاطري هى هوليود الشرق الذي ينتصر فيها فيلم الوردة البيضاء على فيلم قلب الأسد.. مصر السينما التى ينتصر فيها فيلم رد قلبي وفي بيتنا رجل على مسلسل الأسطورة وفيلم ديسكو ديسكو! مصر التى في خاطري هى مصر سومة وحليم وفريد وفوزي وعبد الوهاب وليست مصر شاكوش وبيكا وأورتيجا! 

 

 

مصر التى في خاطري هى مصر التضحية والفداء والتفاني.. مصر التى يكون الفن فيها والتعليم والطب رسالة  إنسانية راقية لا يمكن اختزالها في مصلحة أو سبوبة!

الجريدة الرسمية