رئيس التحرير
عصام كامل

بعض من النور يكفي!

ترى هل ينقص الإنسان شيئا كي يعيش في سلام؟! لماذا نختلف حتى الصراع؟ وفى الغالب قد تكون اختلافاتنا في وجهات النظر.. ولماذا أيضا لكل منا وجهة نظره الخاصة في قضايا معينة.. وبعيدًا عن المصالح الخاصة لماذا لا نتفق؟ فقد يحتاج الإنسان أشياءً كثيرة كي يعيش.. ولكن في نظري قد ينقصه شيئًا واحدًا كي يعيش في سلام!


ربما تنقص الإنسان مساحةً من النور.. تسمح له بمزيد من الحركة.. فعلى قدر مساحة النور تتسع الخطوات وربما تضيق.. فبالنور نحيا.. وبدونه لا نعيش.. فالنور الذى حولك يجعلك تعرف الحياة،  أما النور الذي في داخلك فيجعلك تشعر بمعنى خاص جدًا للحياة! وهنا عليك أن تتسأل دائمًا إلى أيهما تحتاج أكثر.. فهل أنت بحاجة إلى معرفة الحياة أما أنك بحاجة أكثر إلى ان تعيشها.. أم لديك اعتقاد دائم بأنك لن تستطيع أن تشعر بمعنى الحياة دون أن تعرفها؟!

السعي والتوكل


إذن قضيتنا دائمًا تكمن في مساحة النور الممنوحة لنا.. النور المُحَاطِين به.. أو مساحة النور التى تسكن في العقول؛ فتجلنا غير متساوين في حجم الرؤية.. فلا يلوم بعضنا بعضًا إذا اختلفنا في وجهات النظر.. فكلانا يصف ما يراه.. والذى يراه عادة ما تحكمه مساحة النور! ومن هنا فاحترامنا للاختلاف في وجهات النظر؛ راجعٌ بالأساس إلى احترام مساحة النور الممنوحة  للأخر!


وقد تكون المنحة في مساحة النور التي تسكن القلب؛ فتجعل له عيونا كثيرة.. ترى مالا لا يستطيع الأخر أن يراه.. إنها البصيرة يا صديقي.. التى لا يمنحها الله إلا لمن يحب.. ويصبح السؤال مطروحًا من الذي يستحق محبة الله حتى يمنحه بعضًا من نوره.. الذى تتبدد به غيوم المجهول، وتنكشف به الحجب.. فتعبد الله كأنك تراه.. فإن لم تكن تراه تراه!


نورُ الله الذى لا تطفئه أنفاسُ الشياطين.. النورالذي يزداد بالذكر، ويتوهج بالإخلاص والعمل الصالح وفعل الخيرات، حتى وإن جلب لأصاحبه المتاعب! فبدون النور تتعثر الخطوات.. وتتلعثم الكلمات..  وتختلط الأفكار والمسافات.. 

 

فكم شمس أضاءها الله في قلبك، كي تصبح من ملاك أفئدة الطير الراضية.. التى لا تعرف قانون الملكية التى يقدسها البشر، وتؤمن بأن الكون لا يُبنى على الملكية وإنما على حق الانتفاع.. وأن التوريث ليس اختيارا وإنما إرادة سماوية خالدة.. فالطيور لا تملك حتى العِش الذي تبنيه بالعرق.. ولم تحرص على توريثه لأبنائها.. فمجرد أن ينمو ريشه يفرُ.. ليبني لنفسه عشًا جديدًا.. تلك القلوب التى تحيا بالسعي والتوكل.. تغدو خماصا وتعود راضية! فهل منحً الطير مساحة من النور تفوق التى منحها الله للبشر؟!

الخوف من المجهول 


وكم شمس أضاءها الله في عقلك حتى تكون من أصحاب المنطق الإنساني السليم، الداعم للأحكام الإنسانية العادلة، التى ترى الحقيقة كاملة، فلا تحيدها عن الحق عاطفة.. ترى نهاية الأشياء واضحة.. فتصدر الأحكام في ضوئها.. تلك العقول التى تدرك أن سهم الموت قد انطلق منذ البداية، وما هى الا مسافةٍ وتوقيتِ وقدرٍ مقسوم من النور حتى يصل.. فإذا أدركت العقول الحقائق المطلقة عدلت.. والعدل محكوم بمساحة النور المحيطة بالحقيقة.. والحقيقة كالشمس لا تُرى بعينٍ واحدة.. وجمالها يكمن دائمًا في كونها عارية!


حين قرر علماء النفس أن أخطر ما يهدد الإنسان هو خوفه من المجهول.. والمجهول في ذاته مساحة العتمة التى في داخلنا، وربما المحيطة بالأشياء المحيطة بنا.. وكلما تقلصت مساحة العتمة قلَّ خوفنا من المجهول.. وكيف للنفس أن تعيش في سلام في عالم تحكمه العتمة!


فالكون كما أراه كون مَعتِم.. فيه مساحة من النور.. مرهونة بأقدار الله.. إذا زادت عن الحدِ؛ غرق الإنسان في الدهشة وشعر بالانزعاج والزحمة حتى وإن كان بمفرده.. إنها زحمة النور التى زادت عن الحد فأصبحت صاخبة.. ومجلبة لأصحابها المزيد من المتاعب.. وقد تكون جريمة أصاحبها أنهم  رأوا أكثر مما يجب، وعرفوا أكثر من المطلوب!


وقد يكون النورُ حلمٌ.. نحلق حوله كالفراشات.. فمن اقترب أكثر من الحد احترق.. فالنور قدرُ مسيرون إليه.. ومنحة  من الله قد تزيدها كثرة الاطلاع وعمق التجربة والحوار الدائم مع الله والنفس.. وقد يطفئها الانحياز الدائم إلى مصالح الدنيا الزائلة! 

 

فلكل عقل طاقة على استيعاب النور، فكل يأخذ من النور على قدر حاجته وكل يأخذ منه على قدر طاقته وكل يحصل منه عمله.. إنها عدالة السماء يا سادة.. فقد لا نتحمل جرعة زائدة من النور.. فإذا زادت عن الحد.. وكذلك إذا قلَّت.. قد لا نعيش في سلام.

الجريدة الرسمية