رئيس التحرير
عصام كامل

احتيال متعدد في وادي السيليكون

تقدس الولايات المتحدة بشكل خاص من يترك دراسته الجامعية، ويؤسس مشروعًا بفكرة مبتكرة تدخله نادي المليارديرات في أقصر وقت ممكن، ويضم وادي السيليكون غالبية شركات من تركوا الجامعة لتأسيس مشروعات تقنية عملاقة، منهم بيل غيتس "مايكروسوفت"، ستيف جوبز "آبل"، مارك زوكربيرغ "فيسبوك"، إليزابيث هولمز "ثيرانوس"، وسواهم.


تطورت غالبية تلك الشركات وحققت نموًا كبيرًا، ومعها شركات عملاقة مثل سيسكو، جوجل، أوراكل، وتعثر القليل منها بعد صعود صاروخي ليأخذ المنحى المعاكس، وينتهي نهاية مأساوية مثل ثيرانوس، التي قضت المحكمة أخيرًا بسجن صاحبتها إليزابيث هولمز أكثر من عشر سنوات.


المفارقة أن إليزابيث هولمز، تركت الدراسة في السنة الثانية بجامعة ستانفورد، التي لعب خريجوها دورا مهما لتنمية وادي السيليكون، في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، ليصبح مركز التكنولوجيا الفائقة والإلكترونيات وكبرى شركات التقنية العالية، ومنتجي رقاقات السيليكون، بعدما حث فريدريك ترومان عميد كلية الهندسة بجامعة ستانفورد الخريجين على تأسيس شركاتهم في الوادي، لأن الجامعة لديها فرع هناك، فاعتبروه الأب الروحي لوادي السيليكون.

 

توقفت الطالبة إليزابيث هولمز عن الدراسة قبل نحو عشرين عامًا لتأسيس شركة الرعاية الصحية ثيرانوس، القائمة على فكرة ثورية تتعلق بالطب والتحاليل وفحص الدم، باستخدام جهاز تقني صغير يحل محل مختبرات التحاليل والأطباء معًا، فالجهاز التكنولوجي يسحب عينة دم صغيرة عن طريق وخزة في الاصبع، ويفحصها إلكترونيًا، ليحدد أمراض صاحب العينة وسبل علاجها بدقة.

احتيال إليزابيث هولمز 

لم تشأ إليزابيث هولمز، تمويل شركتها وجمع المال لتنميتها بالطرق التقليدية، بل اعتمدت على حضورها الآسر وشخصيتها القوية وقدرتها على الاقناع في استقطاب شخصيات مؤثرة لشركتها منهم سياسيين بارزين ووزراء واقتصاديين ورجال أعمال كبار، لأن وجود أسمائهم في شركتها سيضفي عليها مصداقية وثقة ويجلب المستثمرين بلا مجهود أو عناء في التسويق، وهذا ما حدث على أرض الواقع، فدخلت نادي المليارديرات ونمت شركتها بسرعة قياسية، وتصدرت صورها أغلفة المجلات الاقتصادية العالمية باعتبارها أصغر مليارديرة عصامية.


لم يستمر الصعود الصاروخي للشركة، وبدأت المتاعب مع تشكيك أحد أساتذة جامعة ستانفورد في صحة تقنية الرعاية الصحية وبالتالي عدم دقة ومصداقية نتائجها التي تلغي مهنة الطب من أساسها، وتلقفت صحيفة وول ستريت جورنال ما نشره الأستاذ الجامعي في مجلة طبية معتمدة، وبدأت سلسلة تحقيقات مؤثرة انطلاقًا من أن الطب مختلف تمامًا عن أكواد التقنية، وما تقدمه الشركة للشعب يشوبه كثير من الخداع.

 

دفعت الضجة المرافقة لما تنشره الصحيفة حكومة الولايات المتحدة إلى فتح ملف شركة ثيرانوس وتقنيتها الثورية المزعومة، واكتشفت بعد التدقيق حجم الزيف والتضليل، واستغربت كيف خدعت المحتالة إليزابيث هولمز الجميع منذ تأسيس الشركة، وأحالتها إلى المحاكمة منذ أربع سنوات، ليبدأ تصدع الشركة، التي ما لبثت أن انهارت وتوقفت عن العمل مع توالي اتهامات الاحتيال الإلكتروني على اليزابيث هولمز، ومن بينها الاحتيال على المستثمرين بالشركة، واحتيال مواز على الأطباء والمرضى، فضلا عن إتهام بورصات الولايات المتحدة إليزابيث هولمز بـ احتيال واسع النطاق شمل جميع المتعاملين مع ثيرانوس.

 

وخلصت هيئة محلفين في كاليفورنيا، الأيام الماضية إلى أن اليزابيث هولمز مذنبة جنائيًا وقضت بسجنها أكثر من عشر سنوات، في وقت صدر فيه كتاب وفيلم عن سيرتها الشخصية، لكن لم يفسر أي منهما سبب اصرار إليزابيث هولمز على الاحتيال وخداع الجميع بتكنولوجيا مزيفة، اكسبتها شهرة طاغية، وهي التي كانت انعزالية في طفولتها رغم نشأتها في أسرة عريقة ثرية.

 

يعتقد أحد القريبين من أسرة هولمز أن إليزابيث، عاشت تحت ضغط والديها للتميُّز والنجاح، خصوصا أن جدها لوالدها ابتكر خميرة فليشمان، التي غيرت صناعة الخبز في الولايات المتحدة، ونتيجة الضغط عليها أبلغت والدها في طفولتها أنها "ترغب في اكتشاف شيئا جديدا يدهش البشرية كلها".. 

 

 

وعندما التحقت بالجامعة اختارت دراسة الهندسة الكيميائية، لتعينها على الابتكار، لكنها تركتها بعد عامين فقط لتأسيس شركة فحص الدم المبتكرة، واستخدمت في معظم اختباراتها أجهزة متاحة تجاريًا صنعتها شركات أخرى.. تراكمت الدعاوى القضائية على إليزابيث هولمز، لأنها تعمدت تضليل المرضى بشأن اختبارات الدم، وبالغت كثيرًا في أداء الشركة.

الجريدة الرسمية