رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة "المختار" محمد السنعوسي

فقدت الكويت أمس قامة وقيمة إعلامية وركيزة مهمة في الإعلام الخليجي كله وليس الكويتي فحسب، رحل الإعلامي الكبير ووزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي، إثر معاناة مرضية، رحل جسدًا وسيظل اسمه باقيًا ببصمات لا تمحى في برامج جريئة موثرة وأفلام عالمية ساهم في إنتاجها، وتأسيسه وسائل إعلام خليجية وعربية جعلته علامة فارقة في عصره.

 

شارك السنعوسي في تأسيس تلفزيون الكويت الرسمي العام 1960 وعمل فيه مسؤولًا تنفيذيًا ومنسقًا للبرامج ومخرجًا ومنتجًا ومعدًا، ثم مراقبا للبرامج، مديرا عاما، وكيلا مساعدا للتلفزيون، حتى استقال العام 1985، لخلاف في وجهات النظر مع وكيل الوزارة آنذاك الشيخ ناصر المحمد، الذي عين لاحقًا وزيرًا للإعلام، فاستقال السنعوسي تفاديا للتصادم معه.

رحلة السنعوسي

تولى السنعوسي، رئاسة شركة المشروعات السياحية حتى العام 1996، وخلال تلك السنوات رسخ اسمه من خلال البرامج والأعمال الفنية الخليجية والعالمية التي قدمها أو شارك بشكل أساسي في إنتاجها ولولاه ما ظهرت للنور. كما كان السنعوسي مستشارًا ومساهمًا رئيسيًا في تأسيس وإنشاء العديد من وسائل الإعلام الخليجية والعربية الخاصة منها والحكومية.

 

لا يمكن إغفال أعمال السنعوسي، في السينما العالمية، إذ ساهم خلال السبعينات في إنتاج فيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد، عن قصة الإسلام والرسالة النبوية، وساهم مطلع الثمانينات أيضا في إنتاج الفيلم التاريخي الملحمي المختار أو أسد الصحراء، عن النضال الليبي بقيادة عمر المختار ضد الاستعمار الإيطالي.


وقال السنعوسي، غير مرة عن الفيلمين، أنه تحمس لهما وساهم في إنتاجهما من أجل إعلاء كلمة الإسلام وتغيير صورة نمطية لدى الغرب عن العرب والمسلمين وكذلك إبراز جوانب مشرقة من نضال وكفاح العرب ضد المستعمر الأجنبي.

 

حمل الراحل السنعوسي، طيلة حياته رسالة ومسؤولية توعية المجتمع من خلال صراحته المعهودة، التي تتصدر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، وفي أحد لقاءاته المؤثرة، حذر الأسر من التأثير السلبي للثراء ومستوى المعيشة المرتفع على الأبناء، ما يجعلهم عرضة لإدمان المخدرات والسلوكيات المنحرفة، ولم يستعن السنعوسي بنماذج بعيدة بل كان النموذج من أسرته.


كشف السنعوسي، أنه واجه وزوجته تحديا كبيرا وألما مضاعفا بعدما اكتشفا أن ابنهما البكر طارق، وقع ضحية المخدرات على يد اثنين من أصدقائه الكويتيين لقيا مصرعيهما بجرعات زائدة، وقد اختار الشاب الوسيم طارق الدراسة في بريطانيا، وهناك عرف طريق الإدمان عن طريق صديقي السوء.
سرد السنعوسي، قصة طارق متألما ومتماسكا وصبورا لتكون عبرة ورسالة من أب مكلوم لجميع الأسر: "قمت ووالدته بزيارة عشرات مراكز علاج الإدمان، لتخليص فلذة كبدنا من هذه الآفة، التي تمكنت منه وبعد معاناة 4 سنوات تعافى قبل وفاته بعام واحد فقط، حيث استفحل سواد التدخين بشراهة في رئتيه فمات في عز شبابه".

إعلام هادف

تولى السنعوسي، في السبعينات تقديم برنامج الرسالة، إثر مشاركته في إنتاج الفيلم العالمي بالاسم ذاته، وحقق البرنامج نجاحا مدويا في الخليج كله، أرجعه السنعوسي، إلى اعتماده على خليط الجرأة والعلاقات الشخصية وحسن اختيار القضايا المطروحة، وقال: "عودت الحاكم والمسؤول والمواطن على الصراحة والصدق فيما أطرحه من قضايا دون ظلم أو تجني، فعندما تواجه الناس وتلاحقهم باتهامات، يجب أن تكون أهلا لما تطرحه، وأن تدافع عن حق لا يمكن للآخرين أن يجادلونك فيه، ونظرا للمصداقية الشديدة في الحلقات، ظلت مسيرتي ناصعة نزيهة ولم استدع أبدًا للتحقيق فيما أناقشه تلفزيونيًا رغم الجرأة وحساسية الموضوعات"، مستبعدًا أن يحقق البرنامج النجاح ذاته في حال أعيد تقديمه بشكل معاصر لأسباب عدة.

 

لم يرفض وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي، قط دعوة إعلامية سواء من صحيفة أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني، وكان يتحدث بفخر شديد عن نجاحات كبيرة في زمن التأسيس والبدايات، معتبرًا الستينات حقبة الإعلام الهادف عربيًا، الذي كان فيه التلفزيون وسيلة من وسائل البناء والتوعية المجتمعية، وانتقد السنعوسي، تكلف مقدمات البرامج الحاليات وحرصهن على المظهر أكثر من الثقافة والجوهر، رغم الحداثة والتكنولوجيا وطفرة المعلومات.

 

خاض الإعلامي الراحل السنعوسي، في السنوات الأخيرة تجربة مميزة عبر برنامج تلفزيوني مسجل بعنوان "مع السنعوسي"، تمحورت فكرته حول إعادة فتح ملفات ناقشها في برنامجه السابق "السنعوسي" خلال حقبة التسعينات، وكانت مؤثرة في المجتمع وتجاوبت معها الجهات المعنية، منها ملف الشيكات بدون رصيد، قضايا المسرح، المخدرات، حقوق الطفل، مشكلات المرور وغيرها الكثير. 


أعاد السنعوسي، في برنامجه الجديد متابعة القضايا الآنية إلى جانب الملفات القديمة عبر الاستعانة بمقاطع أرشيفية من برنامجه في التسعينات ومواكبتها في الألفية الثالثة، من خلال لقاءات وتقارير مع مسؤولين حاليين، واعتبر البرنامج الجديد لقاء بين الأجيال.. تفرد الإعلامي الكبير السنعوسي، بفكر خاص وشخصية كاريزمية متوهجة، وبرحيله سقط جسر إعلامي لن يجود الزمن بمثله.

الجريدة الرسمية