رئيس التحرير
عصام كامل

مشاركة المرأة في الجيش اللبناني.. سخرية وتحدٍّ وتاريخ طويل من النضال

المجندات في الجيش
المجندات في الجيش اللبناني

 مشاركة المرأة في القوات المسلحة.. حالة جدلية فرضها الواقع العربي المحافظ على مشاركة العنصر النسائي في القوات المسلحة والتي بقيت رمزية ومقتصرة على بعض التخصصات حتى تسعينيات القرن الماضي؛ غير أن في الفترة الأخيرة شهدت المؤسسات العسكرية نوعية لجهة إشراك العنصر النسائي بفاعلية في صفوف الجيوش العربية وخاصة الجيش اللبناني.

 

مشاركة المرأة اللبنانية في الجيش 


فبينما عاشت المرأة العربية أزمنة من الجدل حول أهليتها، بداية من محيطها الشخصي والأسرة، وصولًا إلى حقها في التعليم أو الحقول المهنية التي يحق لها العمل فيها. 


ولطالما قسمت قضية المرأة المجتمعات العربية بين ذوي الحجج الدينية، وأصحاب المواقف الاجتماعية، ومع هذا نجحت في التسرب إلى مختلف القطاعات بشق الأنفس، حتى وصلت إلى السلك العسكري في عدد من الدول العربية التي كثيرًا ما تعاملت معها على أنها وظيفة ذكورية، لكن بدرجات مختلفة وربما أقل من الرجل.

فبينما شهد لبنان الاحتفال بالعيد الـ 77 لقواتها المسلحة، تم تخريج أكثر من 40 ضابطة من الكلية الحربية للجيش اللبناني في خطوة تعكس التوجه نحو إشراك المرأة في لبنان بشكل أكبر في القوات المسلحة.
كما تم الاحتفاء بتصدر الضابطة الملازم إنجي خوري المركز الأول في حفل التخرج لهذا العام، وقامت إنجي بقراءة اليمين اللبناني الذي ردده خلفها جميع الخريجين.


وشهد الجيش اللبناني زيادة كبيرة في انخراط النساء في صفوفه بالتزامن مع تعيين العماد جوزيف عون قائدًا للجيش في مارس 2017. 
ففي تصريح سابق قال عون بحسب "بي بي سي" إن تعزيز دور المرأة يكمن في "صُلب أولوياته"، وأن الهدف النهائي هو التوصّل إلى إشراك النساء في القتال". 

وبالفعل، بدأت مجموعة متنوعة من الوحدات، بما فيها أفواج الحدود البرية ولواء الحرس الجمهوري، بضمّ النساء إلى صفوفها على نحو متزايد.
على الرغم من أن هذا الازدياد في أعداد النساء وفي المهام المولَجة إليهن جديرٌ بالثناء، لايزال ثمة نقاط استفهام عدة. فمن غير الواضح مثلًا ما الافتراضات والاستراتيجية العامة التي تحكم مساعي الجيش نحو تعميم مراعاة التوازن الجنساني.


وعند نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990، دعت الحكومة للمرة الأولى اللبنانيات إلى التطوّع بصفة جنديات في المؤسسة العسكرية، بما في ذلك المدرسة الحربيَّة، واللواء اللوجستي، والشرطة العسكرية. 
وفي العامَين 1989 و1991، صدر تباعًا القراران الوزاريان الرقم 376 والرقم 839، اللذان تضمّنا أحكامًا تطبيقيّة تتعلق بانخراط اللبنانيّات في الجيش. 
وفي نهاية التسعينيات، كان الجيش نجح في تطويع نساء متخصّصات برتبة جندي أو رقيب، جرى بعدئذ تكليفهن بمهام وترقية بعضهن إلى رتبة ملازم؛ مع ذلك، لايزال عدد العسكريات الإناث منخفضًا مقارنةً مع عدد العسكريين الذكور في الخدمة الفعلية. 

 

2017 تاريخ هام في انضمام اللبنانيات للجيش 


وحتى العام 2017، ضمّ الجيش اللبناني حوالى 1000 امرأة من أصل إجمالي عديد العسكريين البالغ 70 ألفًا تقريبًا، بحسب تقديرات جون كنوسدن وتين غايد الواردة في فصل من كتاب حول العلاقات المدنية-العسكرية في لبنان.
وتولّت النساء في البداية مناصب إدارية، قبل التمدّد إلى وحدات أساسية مثل الشرطة العسكرية؛ على سبيل المثال، تم نشر عسكريات في مناطق خطيرة جدًّا مثل حاجز وادي حميد في عرسال، الذي يُعتبر من بين أخطر النقاط العسكرية، إذ تعرّض إلى هجوم على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في العام 2014؛ كذلك، تم نشر عسكريات في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، الذي شهد اشتباكات في العام 2007 بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام، حيث ساعدت العسكريات في البحث عن نساء مشتبه بهن والتحقيق معهن.

وخلال السنتين الماضيتين، ارتفعت معدلات انخراط المرأة في الجيش اللبناني بشكل ملحوظ، ليبلغ عددهن 3 آلاف من إجمالي عديدة في العام 2018، بمن فيهن ثلاث عمداء (يتوزّعن على الأقسام الطبية والإدارية) و17 عقيدًا. 
وفي 14 سبتمبر 2018، تمّ الاحتفال بتخريج نحو 1650 عنصرًا من العسكريات الإناث بعد أن أنهين دورة تدريبهن، التي ضمّت الدفعة الأكبر من الخريجات منذ انتهاء الحرب. 


ووفقًا لما صرّحت به مصادر عسكرية لمركز كارنيجي للشرق الأوسط، ارتفع عدد العسكريات إلى حوالى 4 آلاف بحلول مارس 2019، ويتمّ نشرهن في مناطق ذات وضع دقيق. 
بينما يستحق كل هذا التقدّم الثناء، يبقى حجم دور المرأة في الجيش ونطاقه رهن قرارات وزير الدفاع، ولا يُحدَّد بموجب قوانين أو مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء والبرلمان. 
أما على المستوى التنظيمي، فلا تمتلك القيادة العسكرية سياسات وهياكل إدارية خاصة بكلٍّ من الجنسين، تهدف إلى استيعاب احتياجات الجنديات ومساعدتهن على تحقيق إمكاناتهن المهنية.

جدل في البرلمان اللبناني 


وبالعودة إلى البرلمان في لبنان فلا زال الجدل على أشده ما بين تمكين المرأة واضطهاد المرأة اللبنانية.
وفي ذلك الصدد قالت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في بيان إن الانقسام بين الجنسين يعكس "تقدم المجتمع اللبناني والتغير في الصورة النمطية للمرأة".
وبحسب مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، فإن "النساء يشغلن اليوم العديد من المناصب في الوحدات القتالية وقد أثبتن نجاحهن في جميع المهام الموكلة إليهن".
وبلغ إجمالي خريجات الأكاديمية 46 خريجة من أصل 121 خريجة- 40 من القوات البرية، وأربع من القوات الجوية، واثنتان من القوات البحرية.
ومؤخرًا، شهد مجلس النواب اللبناني زيادة نسبية في عدد النائبات نتيجة الانتخابات النيابية، ليرتفع عددهن إلى ثمانية مقابل ستة في عام 2018.


ورغم هذه النجاحات، لا تزال النساء اللبنانيات يتعرضن، سواء أكان ذلك في البرلمان أم في القنوات التليفزيونية أم على منصات التواصل الاجتماعي، غالبًا للسخرية، لا سيما من زملائهن الذكور أو الناشطين والسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهد اللبنانيون الأسبوع الماضي عينة من هذا التصرف، حيث تصاعد التوتر في البرلمان اللبناني خلال الجلسة التشريعية بين النائبة حليمة قعكور من كتلة قوى التغيير ورئيس مجلس النواب نبيه بري. 
ومن جهتها، وزيرة سابقة، شريطة عدم الكشف عن هويتها، تبنت وجهة نظر أكثر انتقادًا: "إذا كانت بعض النساء يبحثن عن الشعبوية والديماجوجية في البرلمان، فهذه هي مشكلتهن".

وأضافت: "لقد عملنا كوزراء ونواب ولم نتعرض أبدًا للتنمر والسخرية. يتعامل بري مع جميع النواب بطريقته ولكن هذا لا يعني أنه يستهدف النساء فقط".


لكن الناشطة النسوية حياة مرشد تعتقد أن "الطبقة الحاكمة في لبنان لديها نزعة أبوية تجاه المرأة".

وأضافت أن حضور المرأة في الشأن العام لا يزال محدودا، حيث يشكل عدد النائبات الحاليات 6.5 % من إجمالي عدد النواب، مضيفة أن هذا الإنجاز جاء بعد سنوات من النضال والعنف الذي استهدف النساء اللواتي يحاولن العمل في السياسة.

الجريدة الرسمية