رئيس التحرير
عصام كامل

«شيطنة روسيا».. ثمن انضمام السويد وفنلندا لـ«الناتو».. وإرضاء تركيا ودعم الحلف الغربي بأعضاء جدد

بوتين الرئيس الروسي
بوتين الرئيس الروسي

فى الساحة الدولية لا شيء يحدث بالصدفة؛ فالمصالح تتدخل بقسوة لفرض نفسها على المفاوضات والمناقشات، وتتبدل الولاءات والمصالح بين يوم وليلة إذا عرض ما يرضى كبرياء هذا وشهية ذاك، وهو ما حدث فى معالجة الأزمة الطارئة بين تركيا وفنلندا والسويد التى اعترضت تركيا على انضمامهم للناتو قبل أن تعود وتتراجع وفق صفقة واسعة بين الجميع.

ترجم ذلك إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسى ينس ستولتنبرج أن تركيا وافقت على دعم مساعى فنلندا والسويد للانضمام إلى التحالف العسكرى الغربى، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث وقعوا مذكرة تتصدى لمخاوف تركيا حيال عدة أمور، منها ما يتعلق بتصدير الأسلحة ومكافحة الإرهاب، بينما أعلنت تركيا من جهتها أنها حصلت على تعهدات بتعاون كامل من فنلندا والسويد ضد مقاتلى حزب العمال الكردستانى وحلفائهم إلى جانب حظر نشاطات جمع الأموال والتجنيد للمسلحين الأكراد وكذلك الدعاية الإرهابية ضد تركيا، وإظهار التضامن معها فى الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله.

 

ضم السويد وفنلندا

وبمجرد إعلان تلك القرار والموافقة على ضم السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسى تزايدت التساؤلات حول مستقبل الصراع الروسى الأوروبى خاصة مع رفض روسيا المستمر لتلك الخطوة التى وصفتها الصحف الأجنبية بالصفعة القوية لبوتين، إلى جانب التساؤل حول تعزيز مخاوف أوروبا من روسيا -خاصة بعد غزوها لأوكرانيا- الوجود العسكرى الأمريكى فى أوروبا.

وعن كيفية تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لوجودها العسكرى سبق أن قال الرئيس الأمريكى جو بايدن فى رسالة واضحة وموجهة: إن حلف الناتو قوي وأن الوجود العسكرى الأمريكى فى أوروبا سيتمدد، وذلك خلال مشاركته بقمة حلف الناتو التى عقدت الأسبوع الماضى فى مدريد قائلًا:
«النسر الأمريكى سيفرد جناحيه فى أوروبا وسينشر قواته جوًّا وبحرًا وبرًّا» بما يؤكد تمدد وتوسع الناتو ردًّا على الغزو الروسى لأوكرانيا وسعيًا لاستعراض القوة والوحدة بين أعضاء حلف شمال الأطلسى فى صراعهم مع روسيا.

وتابع: فى إطار هذه المساعى ستنشئ الولايات المتحدة الأمريكية مقرًّا دائمًا للفيلق الخامس للجيش الأمريكى فى بولندا، وسيكون بذلك أول مقر دائم للقوات الأمريكية فى الجناح الشرقى حلف شمال الأطلسى.

كما ستنشأ قوات إضافية فى رومانيا على أساس التناوب، وسيتم تعزيز عمليات الانتشار الأخرى فى دول البلطيق، وواشنطن سترسل أيضًا سربين من طائرة الشبح (F-35) إلى بريطانيا، وتعد هذه المقاتلات الأكثر تطورًا وشراسة فى العالم، كما ستوفر الولايات المتحدة أيضًا دفاعًا جويًّا إضافيًّا فى ألمانيا وإيطاليا، وستعزز أسطول مدمراتها البحرية فى إسبانيا من أربع إلى ست مدمرات.

يقول المتحدث الإقليمى باسم الاتحاد الأوروبى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميشيل لويس بوينو، تعقيبًا على الأمر: إن الاتحاد يعيش أوقاتا استثنائية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، منددًا بوحشية ما تقوم به روسيا تجاه أوكرانيا، وكذلك امتلاكها لأسلحة نووية.

 

موقف تركيا

كما علق على القرار الأخير بشأن الموافقة التركية على ضم السويد وفنلندا بأنه من الممكن رؤية مفهوم جديد، بما فى ذلك توسيع الناتو وتعزيز وجود القوات الأمريكية بالقرب من دول مختلفة، وخاصة بعدما حدث فى أوكرانيا.

وأشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبى أنه، وقبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت لا توجد نية من قِبَل الدولتين (السويد وفنلندا) للانضمام للناتو، لكن ما قامت به روسيا تجاه أوكرانيا جاء بنتائج عكسية، ودفع الاتحاد الأوروبى لإحراز تقدم كبير فيما يتعلق بسياسة الأمن لأوروبا، وبات هناك تنسيق تحالف أقوى لمواجهة أي عدوان، مشيرا إلى رفضهم المواجهة مع روسيا، فالاتحاد مشروع سلام، لكنه يرفض أيضًا أي عدوان غير مبرر على دولة مستقلة وذات سيادة، ووصفه بـ«الخطأ الكبير».

بدوره قال مدير المركز المصرى الروسى للدراسات الدكتور أشرف كمال، إن توقيع بروتوكول مشترك بين تركيا وفنلندا والسويد لا يعنى القبول الفورى واكتمال عضوية هلسنكى وستوكهولم فى حلف شمال الأطلسى، فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت من أجل تنفيذ مطالب أنقرة المتعلقة بتسليم عدد من المواطنين الأتراك ورفع القيود على تصدير السلاح وقف الدعم للجماعات الكردية، وكذلك العودة إلى تنفيذ برنامج (F-35) ووقف الدعم الأمريكى للأكراد فى سوريا.

وأضاف: «على كل حال ستواصل أوروبا السير فى اتجاه المواجهة مع روسيا تحت قيادة الولايات المتحدة، رغم تبنى الاتحاد الأوروبى منذ عام 2003 سياسة الأمن والدفاع المشترك، إلا أن دول الاتحاد فشلت فى الالتزام بتعهداتها لأسباب معروفة منها محاولات تأسيس جيش أوروبى يواجه تحديات هائلة من جانب بريطانيا والولايات المتحدة رغم توقيع ما يقرب من 23 دولة أوروبية عام 2017 على وثيقة التعاون الدفاعى المشترك وتعزيز التكامل الأوروبى عسكريًّا وتبنِّي إستراتيجية مستقلة للدفاع عن أوروبا ودعم الصناعات العسكرية الأوروبية».

وأوضح أن سيطرة الولايات المتحدة على أوروبا بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية من خلال مشروع «مارشال» وتأسيس حلف شمال الأطلسى بحجة الدفاع عن القارة العجوز، لكن أمريكا تمكنت من السيطرة على قرارات الحلف وتطويع قياداته العسكرية لتحقيق مصالح واشنطن، الأمر الذى دفع فرنسا ديجول للانسحاب من القيادة العسكرية للحلف عام 1966، إلى أن قرر الرئيس الفرنسى السابق «نيكولاى ساركوزي» عودة باريس إلى القيادة العسكرية للحلف عام 2009.

وأشار «كمال» إلى أن حلف الناتو الذى يضم أغلب الدول الأوروبية أصبح منذ عقود رأس الحربة فى أي تحرك عسكرى أمريكى بمواجهة الخصوم، فى البلقان 1999، وفى العراق 2003، وفى ليبيا 2011، فوجود الحلف مرهون بوجود عدو خارجى يهدد أمن أوروبا، ومن هنا يمكن تفسير خطوات واشنطن نحو الدفع بأوروبا للمواجهة مع روسيا، والتوسيع شرقا وشمالا وتقسيم الدول الكبرى على أساس عرقى وطائفى، الأمر الذى وصل بنا إلى المشهد الأوروبى الراهن سياسيا وامنيا واقتصاديا وما له من تداعيات على الساحة الدولية.

واستطرد: «تعتبر دول شرق وجنوب أوروبا والتى تعتمد بشكل أساسى على الدعم العسكرى الأمريكى، باعتباره رأس الحربة لتعزيز نفوذ واشنطن على القارة العجوز وقيادة الحلف فى اتجاه تنفيذ مخطط واشنطن الجيوستراتيجى، ومنع أي تفاهم محتمل بين روسيا وألمانيا وفرنسا، وضمان عدم خروج أوروبا عن السيطرة ما يعنى أن دور الناتو ينحصر فى دعم إستراتيجية واشنطن للسيطرة والنفوذ على مناطق مختلفة من العالم».

وأوضح أن الأمر لن يقف عند فضاء الاتحاد السوفييتى السابق، مضيفا: رغم محاولات فرنسا القاطرة السياسية للاتحاد الأوروبى فى تغليب لغة الحوار مع روسيا تبدو القارة العجوز غير قادرة على تبنى موقف موحد ومستقل دفاعًا عن مصالحها الاقتصادية والسياسية رغم تراجع فرص إنشاء منظومة أمنية أوروبية مستقلة إذ يفرض البنتاجون هيمنة وسيطرة على الأمن الأوروبى.

واختتم حديثة مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبى يعجز عن الاستقلال بالقرار السياسى والاقتصادى وتأسيس منظومة أمنية بعيدا عن واشنطن، مشيرًا إلى أن هذا العجز بات واضحا فى مواقف الدول الأوروبية الكبرى من الأزمة الأوكرانية، بينما واشنطن تسوق الأوروبيين فى اتجاه تحقيق مصالحها خصما من استقرار وأمن القارة العجوز.

 

طاقات حلف الناتو

من ناحية أخرى، قال الدكتور مهدى عفيفى العضو البارز فى الحزب الديمقراطى الأمريكى: إن الموافقة على انضمام السويد وفنلندا للحلف طور الصراع من صدام خفى إلى صراع وجودى حيث تعتبر أوروبا أن ما حدث من روسيا تجاه أوكرانيا تهديد للأمن القومى الأوروبى والعالمى ولا يمكن الثقة بموسكو مرة أخرى.

لذلك لا بد من رفع طاقات حلف الناتو، واستعداد كل دول الحلف لأى تحركات غير متوقعة تقوم بها روسيا ضد الناتو، فالدول التى كانت غير مهتمة بهذه التحركات أصبح لديها صراع وجودى لتخوفها من أن تقوم روسيا بتحركات مماثلة لما تم رؤيته فى أوكرانيا.

وأضاف: «كما نرى الولايات المتحدة الأمريكية هى أكبر المساهمين والداعمين لحلف الناتو صحيح أن لرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب أضعف الثقة بين بلاده والحلف خلال فترة حكمه، لكن الآن رأت دول أوروبا بالإجماع أهمية التوافق مع الولايات الأمريكية والتى تعد الداعم الأكبر للحلف فالقدرة العسكرية الأمريكية لا يماثلها أي قدرة، ومن ناحيتها تأكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنه لا بد من أن يكون هناك تواجد ودعم الحلفاء».

وتابع: حلف الناتو القديم لن يكون مثل ما سنراه فى المستقبل فـألمانيا ستصبح رأس ضاربة للحلف فى المناطق الشرقية لشرق لأوروبا بعد أن تم إقرار رفع إعداد حلف الناتو من 40 ألف إلى 300 ألف جندى وضابط.

أوضح أن دولًا كثيرة ضاعفت ميزانيتها تخوفا من أي تحركات روسية، إلى جانب التخطيط لمناورات مشتركة بشكل دائم ونقل لخطوط ضرب العدو، مردفًا: ما يحدث الآن هو استعداد لأى تحرك روسى ضد أي دولة من دول الناتو، وخاصة أن روسيا باتت تهدد الأعضاء الجدد ومن كانوا فى الاتحاد السوفييتى القديم، لذا سيعمل الحلف والولايات المتحدة الأمريكية أيضًا على إيقاف التهورات التى حدثت من روسيا، على حد قوله.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية