رئيس التحرير
عصام كامل

لا صلاح للعالم إلا بعودة الضمير الإنساني!

اختلف الفلاسفة والمفكرون وعلماء النفس والاجتماع في تعريف الضمير.. لكني أميل إلى تعريف بسيط يقول إن الضمير هو الشريك الخفي في كل عمل نقدم عليه وكل قرار نتخذه في حياتنا، هو ذلك الأنا الآخر القائم في أعماق كل منا، رقيب ساهر دائمًا يقوّم السلوك والأداء؛ ظل حي لا يعكس فحسب شكل صاحبه بل يجسد له نموذجًا مستقيمًا يذكّره دائمًا بضرورة تعديل أو تغيير شيء ما خطأ بداخله، وضرورة تهذيب النفس كي يستحق صاحبها الحياة التي تليق به. 

 

الضمير مجموعة قيم ومباديء ومعتقدات ومسلمات ومُثل ورؤى ورموز تسكن في أعماق الإنسان وبقدر وضوح تلك المكونات ونصاعتها في ذهن صاحبها وانسجامه معها يأتي تماسك شخصيته ومنطقية مواقفه وسلوكياته ومن ثم فإنك ترى أن الشخص الذي يمتلك ضميرًا يقظًا مبادئه ثابتة ويقينه راسخًا ومعتقداته لا تتزعزع ومثله العليا لا تفقد بريقها وقيمه تخط له سير حياته؛ فيأبى التنازل عن قشة من رصيده الأخلاقي ولو بكنوز الأرض كلها؛ لا تهزه المساومات ولا تلعب به الرغبات.. فقد علمتنا تجارب الحياة أن المصالح كثيرًا ما تتعارض مع المباديء وهو ما يفرض علينا أن نتخلى عن بعض مصالحًا صونًا لمبادئنا.

 

الضمير هو صوتك الداخلي الذي يقول لك: افعل أو لا تفعل، هو ذاك الصوت الصامت والمدوي في آن! المنطلق من عمق الذات، وهو الوحيد القادر على ردع صاحبه وضبط إيقاع سلوكه في الحياة. ولكن لكل منّا علاقة مختلفة مع هذا الرقيب، وهذا الأنا الآخر!

 

وبقدر قوة الضمير يأتي الصوت عاليًا من الأعماق يمنع صاحبه من ارتكاب الحماقات والأخطاء وحتى لو وقع فيها عن ضعف أو استخفاف فإنه سرعان ما يفيق ويرجع ولا يتمادي في غيه بل قد يندم ويبادر بإصلاح ما وقع منه للتكفير عن ذنبه.. وهو ما نسميه صحوة الضمير التي ترشد صاحبه لفعل الخيرات وترك المنكرات والموبقات!!

 

 

الفارق بين إنسان ذي ضمير وبين آخر لا ضمير له كالفارق بين الحي والميت، بين الخير والشر والحق والضلال.. وشتان بين من يمشي وراء صوت ضميره ويتحسس نداءه وبين من يخالف ضميره وإنسانيته وعقله ودينه.. فإذا رأيت الدنيا تسودها شريعة الغاب فاعلم أن الضمائر في إجازة.. وأنه لا صلاح للعالم إلا بعودة الضمير الإنساني في صورته الأولى.

الجريدة الرسمية