رئيس التحرير
عصام كامل

حلم الاكتفاء الذاتي من القمح

في مداخلة إعلامية مع إحدى القنوات الفضائية المهتمة بالاقتصاد فوجئت بأن السؤال كان: ما رأيك بعدما حققت مصر المعجزة وهي الاكتفاء الذاتي من القمح؟، فكنت في قمة التعجب، وسألت بدوري المذيع: وهل مصر حققت بالفعل الاكتفاء الذاتي من القمح؟ فدهش المذيع وأكد أن كل المصادر أكدت ذلك وخاصة وزير التموين الدكتور علي المصيلحي، وهنا بدأت أوضح له وللمشاهدين حقيقة الأمر، مؤكدا أن مصر كلها تتمنى أن يحدث ذلك وأنا على الأخص أحلم بذلك اليوم الذي نمتلك فيه حريتنا من ناحية لقمة العيش..

 

 فكما قال الفيلسوف وعالم النبات السويسري جان جاك روسو: "الفلاحة هي الوسيلة الوحيدة التي تضْمن بِها الدّول استقلالها الخارجي.. فلوْ كان لكَ ثَروات العالم كله، بينما ينقصك الطّعام، فإنك ستكون تحت رحمة الآخرين.. وتذكر أن التجارة تنتج لك الثروة، لكن الفلاحة تمنحك الحرية". كذلك إشتهر الشاعر والكاتب والرسام اللبناني جبران خليل جبران بمقولته: "ويل لأمّة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لاتزرع، وتشرب مما لا تعصر". وعِندما سُئل شيخنا الإمام محمد متولي الشعراوي "رحمة الله عليه": متى تُصبح الأمة مستقلة في قراراها؟، فنظَر نظْرةَ المُشفق، وقال: يا بني.. من لا يأكل من فأسه، لا ينطق من رأسه.

 

 فكل ما أتمناه تحقيق الاكتفاء الذاتي بالفعل من القمح لكن ذلك لم يحدث للآن، والذي أعلنه الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، إنه قد وصلنا إلى 55% من الإكتفاء الذاتي من محصول القمح، مضيفًا: "لو وصلنا إلى 60 أو 65% من القمح سيكون أمرًا رائعًا". إذا لم نحقق الاكتفاء الذاتي بالفعل وسنظل نستورد نسبة 45 % من الخارج.. 

 

لكن الأمر الجيد أننا الآن لدينا مخزون جيد من القمح يمتد لستة اشهر يبعدنا عن مخاطر الحرب الأوكرانية الروسية؛ لأنهما من أهم مصادر القمح لمصر، وتدل الأرقام الرسمية الخاصة بالقمح وزراعته على اهتمام مصر به خلال الفترة الأخيرة، ففي 2020 تم زراعة نحو 3.42 مليون فدان من القمح، بموجب 8 مليون طن قمح، بالرغم من أن المساحة المنزرعة من القمح كان من المفترض أن تنتج 8.3 مليون طن قمح، لكن مرض الصدأ الأصفر جعل هناك هذا الفارق الصغير. 

 

أما الإستيراد فتم استيراد نحو 13.020 مليون طن من القمح بزيادة قدرها 609.2 ألف طن بنسبة زيادة 5% عن العام الماضي، ليس ذلك وحسب، لكن أيضًا بنسبة زيادة 12% عن متوسط الأربعة أعوام الماضية، وفق بيانات شركة أسواق للمعلومات المالية والسلعية. 

تقاوى مصرية

 

وقد أكد الدكتور علاء خليل مدير معهد المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية، إن الدولة المصرية متمثلة في وزارة الزراعة وضعت عددًا من السياسات للنهوض بمحصول القمح من أجل تحقيق الإكتفاء ذاتي بنسبة تصل إلى 80%، من خلال رؤية مصر 2030 وبرامج التوسع الأفقي والمليون ونصف مليون فدان ومشروع توشكى. وأضاف أنه تم تحديد مساحات زراعة التقاوي والكميات المتوقع إنتاجها منها وفقًا للسياسة الصنفية لقسم بحوث القمح والسياسة العامة في تحديد مساحات القمح المستهدف زراعتها. 

 

وأن هناك تنسيق كامل مع الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي وشركات إنتاج التقاوي العاملة في مصر، لاكثارها وتوزيعها على المزارعين كتقاوي معتمدة عالية الجودة والنقاوة الوراثية والطبيعية. 

 

وأوضح أن مصر حاليًا تمتلك 11 صنفًا من القمح، لافتًا إلى أن استنباط الصنف الواحد يستغرق من 10 إلى 11 عامًا، مؤكدًا أنه خلال 3 سنوات سوف يتم تغطية 100% من المساحة المنزرعة بتقاوي مصرية مضمونة ومعتمدة. وتابع: "القدرة الإنتاجية للأصناف الجديدة تصل إلى 30 إردبا للفدان"، في حين أن العادي 19 إردبا، مضيفًا، أن الطن يساوي 7 إردب، ومصر تنتج 9.4 ملايين طن، وتنتج 55% مما تستهلكه. وعلى صعيد الدول التي تستورد منها مصر، فقد جاء السوق الروسي في المركز الأول بنسبة 49% من إجمالي واردات مصر من القمح، مقابل 77% العام الماضي، يليه القمح الأوكراني بنسبة 26% مقابل 11% العام الماضي، ثم القمح الروماني 10% مقابل 9% العام الماضي، ثم القمح الأمريكي بنسبة 7% والفرنسي بنسبة 6%.

 

ويؤكد الخبراء أن هناك أسباب عديدة للفجوة بين إنتاج القمح واستهلاكه منها ارتفاع تكاليف زراعة وإنتاج القمح، وإلغاء الدورة الزراعية، مما أدى لتراجع دور وزارة الزراعة فى تحديد مساحات القمح، ما جعل الزُراع يحجمون عن زراعة القمح بزراعة محاصيل أخرى أكثر ربحًا، وكذلك نقص كميات تقاوى القمح عالية الإنتاج بما لايتناسب مع المساحات المطلوب زراعتها، مما يضطر بعض الزراع لزراعة تقاوى غير جيدة تعطى إنتاجاَ أقل..

 

هذا فضلًا عن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، مع عدم حصول المزارع على كل مقرراته السمادية لمحصول القمح أثناء زراعته، وعدم رغبة بعض الزراع فى شراء أسمدة من السوق السوداء. وعدم تحديد سعر مجزٍ لشراء إردب القمح من الفلاح، والإعلان عنه قبل زراعة القمح بوقت كافٍ لتشجيعه على زراعته، وزيادة الفاقد من محصول القمح الذى قد يصل إلى 30 %، خصوصًا أثناء عمليات الحصاد والنقل، والتخزين فى شون ترابية ومكشوفة ومعرضة للحشرات والفئران والعصافير وغيرها. 

 

 

كذلك تدهور خصوبة بعض الأراضى الزراعية بسبب عدم تجديد شبكات الصرف المغطى وارتفاع منسوب المياه وملوحة التربة وخلافه، وعدم القيام بتجديد خصوبتها سواء بالتسميد العضوى، أو بالحرث العميق، أو إضافة الجبس الزراعى، أو بالغسيل، أو بتجديد شبكات الصرف المغطى وخلافه، مع الاعتداء عليها بالتبوير، أو التجريف، والبناء فوقها، هذا إلى جانب ارتفاع أجور العمالة الزراعية بسبب هجرة الفلاح المصرى من القرية إلى المدينة بحثًا عن عمل أفضل، وقلة مياه الرى لبعض مساحات القمح، وإصابة القمح ببعض الأمراض مثل صدأ القمح والصدأ الأسود، وإهمال المزارع فى مكافحتها، وبالطبع كل ماسبق يؤثر فى النهاية على الإنتاج.

الجريدة الرسمية