رئيس التحرير
عصام كامل

بطل لا تعرفه الأضواء

محمود سعادة ينقذ الصواريخ بتصنيع الوقود محليا!

لم تكن نكسة الخامس من يونيو 67 كارثة حطمت إرادة المصريين بل العكس هو الذى حدث، فقد تفجرت في الإنسان المصرى كل قدراته التى تعبر عن حضارة بعمق التاريخ، وإذا كانت مصر قد استعانت بخبراء من الدول الصديقة، خاصة الاتحاد السوفيتى إلا أن مصر كانت لديها من الخبرات والرجال الذين يعملون ليل نهار من أجل رفعة مصر، وهنا نكشف عن بطولة نادرة فذة كانت من أهم أسباب إكتمال منظومة مواجهة العدو، تم ذكرها في كتاب البطل اللواء طيار محمد أنور عكاشة "جند من السماء"..

 

فبالعودة إلى البداية نجد أن القيادة المصرية قررت طرد الخبراء الروس عام 1972، وكان القرار مفاجئا من الرئيس السادات أربك كافة الحسابات، من الناحية السياسية كانت الآراء ترى أن قرار السادات خطوة للاقتراب من الامريكان وإثبات أنه لن يظل في المعسكر السوفيتى، وبالرغم من هذا إلا إن هنرى كسينجر قال بعد ذلك في مذكراته، في سبيل هذا القرار من مصر كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتقديم الكثير إلى مصر سواء في صراعها مع إسرائيل أو حتى على المستوى الاقتصادي..

 

لم ينتبه السادات إلى أن طرد الخبراء الروس يمكن يكون عائقا في أى شىء، فكان طبيعيا أن يكون التلكؤ أو تأجيل تسليم مصر الأسلحة التى سبق التعاقد عليها قبل رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، بل هناك مشاكل أخرى ظهرت للرئيس السادات اعتبرها الفنيون كارثة، فالدفاع الجوي يتكون عموده الفقري في حائط الصواريخ من (90% صواريخ سام 2  و 10 %  صواريخ سام 3 ) ووقود تلك الصواريخ له فترة صلاحية محددة، وبالطبع تم إيقاف توريد الوقود بعد طرد الخبراء الروس.. 

 

عبقرية محمود سعادة

 

فإذا اندلعت الحرب فإننا سنكون في مأزق كبير، فالقوات الجوية للعدو الصهيونى تتفوق تفوقا كبيرا وبالتالى فإن السيطرة الجوية ستكون لن يملك إيقافها، وعليه تحركت أجهزة الدولة لبحث مشكلة وقود الصواريخ، حاول اللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي البحث عن حل فى الأجهزة والمعامل الفنية داخل القوات المسلحة أولا، ولكنها لم تحقق الهدف، فاتجه علي الفور إلى العلماء المدنيين، وفي سرية تامة تم عرض المشكلة.

 

"هنبعت لك العينات دلوقتى.. عايزين الوقود ده فى أسرع وقت" جملة قصيرة جادة وجهت إلى الدكتور محمود يوسف سعادة من خلال اتصال تليفونى، وحسب ما ذكره اللواء طيار محمد زكى عكاشة فى كتابه "جند من السماء" رجح أن المتصل كان هو اللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى، فالدكتور محمود سعادة كان يدرس فى الكلية الفنية العسكرية ولكنه فضل العمل باحثا في المركز القومى للبحوث منذ عام 1965.

 

كان طلب اللواء محمد على فهمى لابد من توفير هذا الوقود، لأن الإتحاد السوفيتى أوقف توريده، بعد طرد الخبراء الروس من مصر، على الفور اختار الدكتور محمود سعادة فريقا بحثيا من قسم الهندسة الكيماوية يتكون من سبعة أفراد على أعلى مستوى، للبدء في مسيرة علمية امتدت لستة أشهر، كانت أشبه بملحمة علمية  في ظل سرية تامة.

 

وبعد عمل شاق من الدكتور محمود سعادة وفريقه البحثي، فقد كان العمل يستمر أحيانا طوال 24 ساعة، وكانت الإقامة شبه كاملة في مركز البحوث لفك شفرة مكونات الوقود إلى عوامله الأساسية، وبالفعل تم إجراء تجربة شحن صاروخ بهذا الوقود وإطلاقه ونجحت التجربة تماما، وتحول المركز القومي للبحوث إلى خلية نحل كانت تعمل لأكثر من 18 ساعة يوميا على الأقل.

 

 

نجح المصريون خلال شهر واحد في استخلاص 240 لتر وقود جديد صالح من الكمية منتهية الصلاحية الموجودة بالمخازن، ثم نجح أبناء مصر مدنيين وعسكريين الذين اشتركوا في هذا الجهد العظيم في إنتاج كمية كبيرة "50 طن" من وقود الصواريخ. وبهذا أصبح الدفاع الجوى المصري على أهبة الاستعداد لتنفيذ دوره المخطط له في عملية الهجوم.

وبدون شك إن نجاح الدكتور محمود سعادة في تخليق الوقود المصري للصواريخ يعد أحد الأسباب وربما يكون من أهم أسباب نجاح الدفاع الجوي في تدمير 326 طائرة إسرائيلية في حرب أكتوبر.. مشروع إنتاج وقود الصواريخ يؤكد أن الانتصار كان نتيجة تكاتف كل أبناء مصر جنود وعلماء وفلاحين وعمال ومهندسين وطلاب ومثقفين، كلهم كانوا على قلب رجل واحد.

الجريدة الرسمية