رئيس التحرير
عصام كامل

الصهاينة يتذكرونه ونحن نتجاهله

حكاية البطل الذى حدد موعد قيامة إسرائيل

لن أشعر بالملل أو الإحباط وسأظل أذكر الأجيال الحالية بتاريخهم، التاريخ الذى لولا العرق والدماء وجهد الرجال، ما كنا اليوم نحيا ونحن مرفوعين الرأس مهما كانت صعوبة لقمة العيش، ومازلت أكرر أن أبطال أكتوبر الحقيقيين لا نعرفهم، ولم يظهروا على شاشات التلفاز، والحلقات التى تقام كل عام في ذكرى انتصار أكتوبر العظيم وتنفض دون فائدة تعود على المجتمع، فالجميع في حاجة للتعرف على تضحيات الشعب بكل طوائفه، ست سنوات من البطولة قدمها الشعب المصرى من النكسة حتى تحقق الانتصار.

 

اليوم سأكتب عن الرجل الذى درس وخطط وحدد ساعة الصفر في حرب أكتوبر، الموعد المفاجأة أو الزلزال أو كما أطلق عليه الأعداء الصهاينة، حتى نعرف البطل الذى اختار توقيتا عبقريا أذهل العدو والعالم. فلم يكن في حرب أكتوبر المجيدة شيء ترك للصدفة أو لم يتم دراسته بشكل علمى سليم، وحتى الآن هناك من الأسرار التى لم يتم الكشف عنها، ومن القرارات التى حيرت الخبراء العسكريين فى دراساتهم لحرب أكتوبر 73، فكيف تم تحديد موعد انطلاق الحرب؟ فيوم السادس من أكتوبر سيقع في شهر رمضان المبارك وصيام المصريين، وهو عيد لدى اليهود، ولكن الأصعب أنه فى عز النهار فقد بدأت الحرب في الساعة الثانية ظهرا وهو توقيت يطرح سؤالا صعبا كيف تم تحديد موعد قيام الحرب التى أحدثت زلزالا في العالم وفي الأراضى المحتلة‘ فأطلقوا على هذا اليوم "قيامة إسرائيل"، قصة تحديد هذا الموعد الذى تفاجىء به العدو الصهيونى والعالم أجمع، نحاول تقديمها كما تحدث عنها المشير محمد عبدالغنى الجمسى.

 

تخطيط علمي

 

عندما تم تكليف اللواء محمد عبدالغنى الجمسى قائد عمليات الجيش بدراسة أنسب موعد يمكن أن يتم فيه عبور قواتنا المسلحة، وذلك فى شهر مايو 1973، على الفور وقع الاختيار على العقيد صلاح فهمى رئيس فرع التخطيط لتحديد أنسب موعد لعبور قواتنا، ذهب سريعا  إلى مركز الدراسات الإستراتيجية، وتعرف على جميع مواعيد الأعياد والعطلات الرسمية للكيان الصهيونى، ثم هيئة الأرصاد للتعرف على ما يتعلق حسابات الليل والنهار ومدى تأثير تيار المياه في قناة السويس في هذه الأوقات، ثم إلى جهاز المخابرات المصرية للتعرف على كافة خطط الدفاعات الإسرائيلية والتوقيتات التى يمكن أن يستطيع الإحتياطي واستدعاء الجيش الإسرائيلي للوصول إلى الجبهة للمشاركة.

 

وبعد أن جمع كافة المعلومات حدد السادس من أكتوبر الساعة الثانية ظهرا، لأسباب علمية منها إن الحسابات أثبتت أن أول رد فعل من قوات العدو لن تكون قبل ست ساعات، طبقا لقواعد انعقاد مجلس الحرب الصهيونى وبالتالى اختيار الساعة الثانية سيؤجل رد الفعل الصهيونى لليوم التالى، لأن مرور ست ساعات يعنى حلول الليل مما يصعب العدو من تنفيذ رد الفعل المتوقع، يضاف إلى هذا أن الشمس لن تكون فى مواجهة القوات المصرية، بالعكس ستكون فى وجوه قوات الصهاينة .

 

يضاف إلى هذا أن السادس من أكتوبر سيوافق عيد الغفران أى إجازة رسمية في كل دولة الكيان الصهيونى، كتب كل هذه الملاحظات في كراسة دراسية عادية خاصة بابنته، بل فى ذات الكراسة كتب تقريره تحسبا لأى شىء، وقدم التقرير إلى اللواء محمد عبدالغنى الجمسى في كراسة مدرسية مكتوب عليها "حنان صلاح فهمى"، الذى بدوره قدمها لوزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل.. 

 

وبعد ساعتين كانت الكراسة عند الرئيس محمد أنور السادات، ووافق على  الموعد فورا، وبالتنفيذ العملى فى السادس من أكتوبر 73، ثبت أن تحديد الموعد بأسلوب علمى رشيد، كان موعدا عبقريا من الشاب البطل العقيد صلاح فهمى، ونذكر هنا أيضا دوره في غلق باب المندب أمام الملاحة الصهيونية أثناء حرب أكتوبر المجيدة، حيث سافر إلى اليمن كرجل أعمال قبل الحرب بشهر كامل، ووضع خطة تأمين عمل المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ المصرية في البحر الأحمر عند باب المندب، وبالتالى قطع الإمداد تماما عن ميناء إيلات الذي أصبح مهجورا أثناء الحرب، مما أفقد العدو أهم منفذ لهم على البحر الأحمر.

 

 

فى عام 2017 رحل في هدوء اللواء ا.ح صلاح فهمي نحلة رئيس فرع التخطيط بهيئة عمليات الجيش المصري في حرب أكتوبر، رحل بطل يستحق التقدير وستظل سيرته أمام الأجيال القادمة للتعلم.. هذه هي النماذج والقدوة التى يجب أن يعرفها أبنائنا بدلا من تقدير السفهاء في المجتمع وللأسف في أحيان كثيرة برعاية الدولة!

وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية