رئيس التحرير
عصام كامل

مافيا قتل المصريين

إلى متى سيترك البرلمان والحكومة طعام المصريين عرضة للتلاعب والعبث بأيدي لصوص يلقون بآلاف الأطنان من الأغذية الفاسدة والمغشوشة يوميا إلى الأسواق، فى ظل تشريعات ورقابة ضعيفة، تمكنهم من تحقيق ثروات على حساب صحة الشعب المسكين.

ففى كارثة صحية تعكس مدى موت الضمير لدى قطاع من مصنعي الأغذية، ضبطت السلطات الصحية نحو 500 كيلو جراما من اللحوم والدواجن الفاسدة في واحدا من أشهر المطاعم السورية في مصر، حيث وجدت اللحوم والدواجن ومنتجاتهما في حالة تعفن كامل وتفوح منها روائح كريهة، وفي ذات الأسبوع، ضبطت السلطات الصحية 500 كجم آخرى من لحوم ودواجن فاسدة بأحد أشهر المطعم بحي الطالبية بالهرم، بينها لحوم بسطرمة وسجق وشاورما ودواجن فاسدة وغير صالحة للاستخدام الآدمي وتفوح منها أيضا روائح كريهة.

 

للأسف أن غيبة الرقابة والتشريعات الرادعة جعل غش الغذاء فى مصر مستباحا ويتم بتبجح أمام الجميع، لدرجة أن حملات جمع وشراء زيوت الطعام المستخدمة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي، أصبحت تتم علنا عبر سيارات محملة بمكبرات صوت تجوب الشوارع، وتقوم بشراء الزيوت المستعملة بسعر 6 جنيهات للكيلو جرام الواحد، حيث يتم توريدها إلى مصانع تعمل تحت بير السلم، تقوم بإعادة تكريرها باستخدام مادة شديدة الخطورة تسمى "سليكات الأمونيوم" يطلقون عليها اسم تراب التبيض أو "super one" تعيد لتلك الزيوت لونه الذهبى من جديد، ويعاد طرحها للبيع بأسعار زهيدة لمطاعم الفول والطعمية والدواجن المقلية وغيرها من المنتجات الغذائية التى يستهلك المصريون ملايين الأطنان منها يوميا.

 

دراسة علمية

 

العجيب أن كل مراحل تلك التجارة السامة يتم في العلن، على الرغم من قطع كل الدراسات العلمية بخطورة إعادة إستخدام الزيوت نظرا لتغير خواصها الفيزيائية وعدم صلاحيته للاستخدام الآدمي، واحتوائها على بكتيريا تؤدى إلى التسمم الغذائى، ونسب عالية من الشقائق تؤدى إلى الإصابة بالسرطانات المختلفة، وارتفاع نسبة الكولستيرول الضار التى تؤدى إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين.

 

للأسف أن فوضى تصنيع الغذاء فى مصر امتدت إلى أبعد من ذلك، حيث حذرت تقارير من كارثة صحية تهدد حياة ملايين المصريين، نتيجة لتناولهم الفول من آلاف العربات التي تنتشر كل صباح في شوارع مصر، بعد استخدام المواقد التي تتولى طهى وتوزع “قدر الفول” لبودرة كيماوية خطيرة تباع علنا لدى العطارين تسمى “الاديتا” يطلقون عليها اسم “فنكوش الفول” تساعد على طهيه خلال ساعة واحدة بدلا من 12 ساعة.

 

غير أن الكارثة جاء مضمونها فى نتائج دراسة علمية قام بها علماء من كلية الزراعة جامعة عين شمس، أكدت أن إضافة 2.5 جراما فقط من مادة "الاديتا" لمدة 90  يوما إلى طعام "فئران التجارب" قد أدى إلى توقف نشاط إنزيمات الكبد، وارتفاع نسبة الكرياتين واليوريا فى الدم، والإصابة بالفشل الكلوي بشكل مباشر، إلى جانب الإصابة بقطاعات استلوجية للكبد والكلى والرئتين والبنكرياس والخصيتين، فى حين أن المواطن المصري العادي يتناول نحو 10 جرامات من تلك المادة على طبق الفول الواحد كل صباح.

 

تغليظ العقوبة

 

كارثة العبث بأغذية المصريين التى باتت وكأنه لا تعنى البرلمان أو الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث شككت تقارير فى سلامة وجبات "الكبدة” التي تباع على آلاف العربات المنتشرة في شوارع مصر، مؤكدة أن ما يتم بيعه ما هو إلا "دماء مجمدة" يتم تجميعها من السلخانات فى بلوكات وبيعه للمواطنين، خاصة وأن سعر الكيلو منها يصل سعره بالفعل إلى 50 جنيهًا، وأن متوسط جرعة الكبدة في السندوتش الواحد تتراوح بين 80 إلى 100 جرام، إلى جانب ما يضاف إليه من زيوت وثوم وبصل وتوابل ووقود وعمالة وغيرها، مما يجعل تكلفته تجاريا لا تقل عن 10 جنيهات، في حين أنه يباع للمواطن بسعر 3 أو 4 جنيهات على أكثر تقدير.

 

ما يدعو للأسف أن كل تلك الجرائم التى ترقى إلى الشروع فى القتل والقتل العمد قد حددها قانون العقوبات فى مسمى غش وقصر عقوبتها على الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 30 ألف جنيه، فى حين قصر قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 عقوبتها أيضا على الحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو غرامة تعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر.

 

 

الواقع المؤسف يؤكد أن البرلمان والحكومة قد تركا المجال لمعدومى الضمير للعبث بغذاء المصريين وتحقيق أرباح بالملايين فى مقابل غرامة تافهة، وهو ما شجع الآلاف من مصانع “بير السلم” على إغراق الأسواق المصرية بآلاف الأطنان من الأغذية الفاسدة التى باتت تمثل تهديدا حقيقيا لصحة المصريين، وتحتم ضرورة التدخل للخروج بقانون يعادل عقوبة غش الأغذية بجريمة القتل العمد، قبل أن يصبح لا أمان لغذاء فى مصر.. وكفى.

الجريدة الرسمية