رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة بيع الأصول

إلى متى ستظل الحكومة تختار الحل الأسهل وتمضى فى تصفية صروح الصناعة المصرية التى تم تشيدها منذ الستينيات من القرن الماضى بحجة تحقيقها لخسائر، فى الوقت الذى تحقق فيه مثيلاتها التابعة للقطاع الخاص نجاحات يشهد لها الجميع، وإذا كان هذا هو الاتجاه الذى تصر عليه الحكومة فلماذا لا تشرك معها هيئة الرقابة الإدارية كشاهد ورقيب على عمليات التصفية وتقييم الأصول وبيعها تحقيقا لمبدأ الشفافية؟

ففى مشهد يدعو للعجب ويعكس مدى الإفلاس الفكري والعجز عن تقديم الحلول، خرج الدكتور هشام توفيق وزير قطاع الأعمال منذ أيام ليعلن عن طرح أراضي شركة الحديد والصلب للاستثمار العقارى، بعد أن اتخذ قرارا قبل شهور بتصفية الشركة بحجة تدني مؤشراتها المالية والانتاجية، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه أجور العاملين ومستلزمات الإنتاج والتشغيل، ووصول خسائرها فى 30 يونيو 2020 إلى 8.2 مليار جنيه، أى ما يعادل 54.7% من نسبة حقوق المساهمين.

شركة النصر للكوك

الغريب أن تصفية الشركة يأتي فى الوقت الذى تحقق فيه صناعة الصلب المصرى التابع للقطاع الخاص نجاحات ومكاسب وتوسعات مبهرة، وآخرها استحواذ مجموعة عز على أسهم رجل الأعمال "أحمد أبو هشيمة" بشركة حديد المصريين والتى تبلغ 18% من مجموع أسهم الشركة فى مقابل 2.5 مليار جنيه.

ولعل ما يثير الدهشة، أنه بعد إقدام الحكومة على تصفية عدد من شركات قطاع الأعمال مثل كفر الدوار للغزل والنسيج، والسماد بالمنصورة، وأخيرا الحديد والصلب تؤكد المؤشرات أنها بدأت فى اتخاذ خطوات جادة لتصفية شركة النصر لصناعة الكوك بعد تحقيقها لخسائر فادحة، كنتيجة طبيعية لإغلاق شركة الحديد والصلب التى كانت تستهلك نحو 90% من إنتاجها، واستبدال شركة سكر الحوامدية لأعمالها بالغاز الطبيعي بدلا من الكوك، مما جعل مبيعات شركة النصر  تتراجع فى العام المالى 2018 - 2020 من 1.761 مليار جنيه إلى 888 مليون جنيه، وانخفاض عائدات التصدير من 784 مليون جنيه فى العام قبل الماضى إلى 133 مليون جنيه فى العام الماضى.

المؤسف أن المعلومات تؤكد إصرار وزارة قطاع الأعمال على السير فى نهج التصفية، وبدلا من البحث عن حلول تنقذ بها شركة الكوك، تركت الأمور تتفاقم بداخلها، ورفعت ملفها بشكل فعلى إلى رئاسة مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، فى خطوة تؤكد عزم الحكومة على تصفية الشركة والاستفادة من أصولها الضخمة، المتمثلة فى مساحات شاسعة من الأراضي ورصيفين لتفريغ وتصدير المواد الخام، بميناءى الإسكندرية والدخيلة، إلى جانب رصيف ثالث على النيل.

الشعور بقرب النهاية داخل شركة النصر لصناعة الكوك دفع العاملين إلى محاولة الهروب من مواجهة المصير الكارثى الذى حل بكافة العاملين بشركات قطاع الأعمال التى تم تصفيتها التعويض والمعاش المبكر مما دفع عدد كبير منهم إلى التقدم بطلبات للنقل إلى شركات أخرى مثل مصر للألمنيوم، والدلتا للحديد والصلب وغيرها من الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال.

البيع  بسعر بخس

الواقع يؤكد أن المصريين قد سلموا بافتقاد الحكومة للإبداع وطرح أفكار خارج الصندوق لإنقاذ صروح الصناعة المصرية من الانهيار، بعد أن باتت التصفية وتحويل أنشطته الشركات من صناعية إلى عقارية هو النهج الذى لا ترى وزارة قطاع الأعمال غيره.

غير انه إذا كان هذا هو قدر المصريين مع حكومة لا تمتلك ملكة الابتكار ولا تعرف سوى البيع طريقا، فماذا يمنع رئيس الوزراء من إشراك هيئة الرقابة الإدارية كشاهد ورقيب على عمليات تصفية وتقييم وبيع أصول تلك الشركات، ولاسيما وأن كثير من التقارير قد شككت فى عمليات تقييم وبيع سابقة، وأشارت إلى احتمال وجود شبهات فساد وإهدار للمال العام شابت تلك العمليات.

وعلى الرغم من أننى لا أوجه اتهاما لشخص بعينه، إلا أن هناك تقارير قد تحدثت عن وجود أخطاء وفروق أسعار فى عمليات تقييم أراضي شركة الحديد والصلب تصل قيمتها إلى ما يزيد عن 11 مليار جنيه، وذلك بعد طرح مجلس الإدارة لقطعتى أرض تبلغ مساحتهما 595 فدانا، مقابل تسوية جزء من مديونيات الشركة، وتم تقيمهما بنحو 1236 مليون جنيه، أى بسعر 494 جنيها للمتر الواحد الذى تبلغ قيمته فى تلك المنطقة القريبة من نهر النيل نحو 15 ألف جنيه ويزيد، أى أن القيمة الحقيقية للأرض لا يقل ثمنها عن 12.4 مليار جنيه، وليس 1.2 مليار جنيه طبقا لعملية التقييم التى طرحها مجلس الإدارة.

 

أعتقد أن قرارات التصفية التى أدمت قلوب المصريين باتت تحتاج إلى مراجعة وتدخل عاجل للاطاحة بكل الفاشلين الذين تجمدت عقولهم عند حل بيع الأصول، مع إسناد كافة عمليات حصر وتقييم وبيع أصول الشركات التي تم تصفيتها لهيئة الرقابة الإدارية، والضرب بيد من حديد على رأس كل فاشل وفاسد ومرتشى.. وكفى.

الجريدة الرسمية