رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا أول يوم فى السنة؟

أول يوم في الأسبوع، في الشهر، في السنة، دائما اليوم الأول من أى توقيت، والشيء الأول من أي تجربة له مذاق خاص. اليوم الأول لمولد المرء هو أعز أيامه وأيام الذين حوله، الأمهات والأباء والأزواج والأصدقاء والصديقات والحبيبات. لماذا هذه الخصوصية لبداية عام جديد؟ لماذا احتشدنا وتهيأنا تحت البطاطين باللب والفول، ليس بمقدورنا الآن شراء الفستق ولا الكاجو والسحلب والقرفة، وبعضنا قاوم الصقيع ونزل يسهر وينفق من سعة ؟ 

 

رأس السنة يعنى اليوم الأول من عام جديد. تتمثل خصوصيته فى التطلع لبداية جديدة، وكأن كل الملفات أغلقت مع أخر الثواني من العام الفائت. لا تغلق ملفات قط، فهى تترحل تلقائيا أو عنوة، وكل ما فى الأمر أننا نخترع مخدرا زمنيا، اسمه صفحة جديدة.

واقع الأيام والدهور، أن الفصل بين رأس السنة وذيل السنة وهمى، فالزمان يتجاوزنا، وهو لا يأتى عند الثانية عشرة تماما من نهاية السنة ليضرب الجرس أو يفرمل ليقول انتبهوا.. سأبدا عاما جديدا، نحن الذين رسمنا هذا الخط الفاصل، لأننا نحب دائما البدايات الطازجة.

 

تجديد البدايات

 

والحق أن هذه حيلة آدمية ننفرد بها، فالحيوان لا زمان لديه، وهى حيلة ناجحة وفعالة، لأنها بمثابة التهيؤ لاعادة الشحن والانطلاق. تماما كما تعاهد نفسك أنك من الآن أو من الغد ستكون انسانا جديدا، بلا سجائر، بلا نساء، بلا ديون، بلا بلاء ! حين تحنث بالوعد وتنقض العهد، تراك في ألم، هذا الألم هو ما يجعلك حي الضمير، يقظا، ساعيا إلى المراجعة وإلى إعادة قطع الوعود وعقد العهود.. 

 

من منا لم يقسم بألا يفعل كذا وكذا وكذا، وغلبه الكذا والكذا والكذا، وبات زعلان من نفسه على نفسه، لأنه ضعيف بلا إرادة. كلنا هذا الضعيف. من أجل هذا تتجدد البدايات. ونقول صفحة جديدة. سنة جديدة. علاقة جديدة. عمل جديد. الأهم في كل هذه الجهود التى تستهدف أساسأ ترميم النفس وإعادة بنائها وصلابتها الآن نستمرئ لعبة خلع علاقة بعلاقة، وتغيير وقت صالح لحساب وقت فاسد، واعتبار رأس السنة جواز مرور شرعيا لكل ما هو غير شرعي.

 

 

سريعا ستمر الأيام، وشهرا بعد شهر، يحتضر العام ٢٠٢٢، ويحسب الناس الساعات ليرحل، وهو الذي كانوا في استقباله بالماسكات والمسخرات والحلويات والبوستات وثرثرات الليل والتليفونات والمعايدات، ويتجهزون لعام جديد وليد.

ما نفعله بالأيام والأعوام هو بالضبط ما يجرى لنا.. نولد فيفرحون بنا فرحة العمر، ونكبر ونكبر فيقل الشعور حتى بوجودنا.. فإذا ما إنتهى هذا الوجود وبلغ محطة الرحيل كان الوداع حارا ودامعا.. وبعد ساعات تمغص البطون وتطلب الطعام.. وكأن الانسان لم يمر عليه زمن ولا سحاب، ولا كأن.. هو العام الجديد متى؟

الجريدة الرسمية