رئيس التحرير
عصام كامل

الكفر بالعروبة!

الآن، هل نعيش اللحظة التي نحقق فيها أحلام العدو بالتخلى عن عروبتنا وقوميتنا، بل بالكفر بها بالسعى لتحقيق مصالحنا الضيقة حتى ولو تعارضت مع القومية العربية؟ المسأله ليست كلامًا بعد ما نراه اليوم من صراعات وممارسات  وسياسات تقوم بها العديد من الدول العربية ضد النهج العروبى. والسؤال هل هناك الآن جدوى أو حتى وجود للتيار القومى والعروبى على الساحة؟ 

تاريخيا برزت التيارات القومية العربية بعد الحرب العالمية الأولى مع ثورة الشريف حسين ضد الحكم العثماني ودعت وقتها إلى تكوين كيان عربي موحد، لكنها للأسف لم تنجح لأسباب متعددة في تحقيق ما كانت تطمح إليه وأقيمت كيانات عربية متعددة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

 

كانت الجامعة العربية المظلة التي تجمع وتحاول تحقيق الحد الأدنى من العمل العربي المشترك، ولتحكم بعض الدول في إدارة دفة الأمور فيها فشلت الجامعة العربية في تحقيق ما يصبو إليه الشارع العربي رغم معاصرتها للحقبة الذهبية للتيارات القومية العربية التي انتشرت في كافة أرجاء العالم العربي.

 

وأنا هنا لست ضد البراجماتية السياسية وحسابات المصالح لكن بشرط ألا يكون ذلك إلا مع عدو أساس وجوده هو إنتهاء وجودنا  نحن.. فالصراع مع هذا العدو ليس صراح حدود وإنما صراع وجود! أنا ضد من يرى أن هذه السياسات مجرد تقارب مؤقت مرهون بالتطورات الإقليمية. أنا ضد من يرى أن هذه التوجهات نوع من الدهاء السياسي للحفاظ على الكيانات العربية واستقرارها، لأننى كما قلت نتعامل مع عدو يرتبط وجوده بإنتهاء وجودنا، والشعوب وحدها هي من تدفع الثمن في نهاية المطاف. 

 

الذئب يحرس الغنم!

 

ولا أريد أن أسمى القوى والدول والأشخاص ولكن يكفى أن أشير إلى بعض الأفعال التي تصب جميعها ضد النهج القومى الذى دفعت مصر ثمنا باهظا له من دماء وأرواح أولادها وإقتصادها وأمنها وإستقرارها ومازالت تدفع عن رضا، ولو شاءت في الماضى أو حتى هذه اللحظة  التخلي عن عروبتها وقوميتها لإنفتحت أمامها الأبواب الغربية والاستعمارية على مصراعيها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر كان سبب توجه الرئيس الراحل أنور السادات إلى الصلح مع إسرائيل استرداد سيناء، لكن أعتقد إن السبب الرئيسى  كان هو إدارة العرب لظهورهم لمصر بعد انتصارات أكتوبر وعدم تعويضها عن الخسائر الاقتصادية  للحرب منذ نكسة 1967 ـ رغم أن مكاسبهم في ارتفاع أسعار البترول كانت بسبب دماء المصريين والسوريين في هذه الحرب.

 

وأعتقد  أيضا إن الهدف الاساسى من حرب 1967 كان ضرب المشروع المصرى للنهضة والتوجه القومى والعروبي الناصرى الذى قضى على الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية وذيولهم ليس في المنطقة فحسب ولكن في العالم الثالث كله.

 

المهم حاولت دول كثيرة  فصل مصر عن محيطها العربى والقومى على مدى سنوات طويلة ومازالت بعض القوى الفكرية الغربية تتعامل مع مصر كقوة حضارية فكرية وثقافية بعيدة عن الفكر العربى، وأعتقد إن بداية الكفر بالعروبة كانت بمبادرة السادات لزيارة إسرائيل وبعدها غزو صدام حسين للكويت ثم الإحتلال الأمريكى للعراق بدعم عربى لتبدأ حقبة التفتت العربى بتمزيق دوله، ومن بقى يفعل المستحيل الآن للحفاظ على كيانه.

 

وأبرزت ثورات الربيع العربي وصناديق الانتخابات صعود تيارات الإسلام السياسي المنظم ووصولها إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية.. وكان بروز الإسلام السياسي مع عوامل أخرى على حساب التيارات السياسية القومية مثل الناصرية والبعثية واليسارية. ونرى الآن آثار فعل جماعات الإسلام السياسى على المسرح السياسى العربى وما تخلفه يوميا من آثار اقتصادية، وللأسف يتغاضى الجميع عن قصد أو بدون قصد أن هذه الجماعات مجرد دمى في يد أعداء هذه الأمة.

 

تعالوا نشاهد على أرض الواقع كل دعاوى الكفر بالعروبة.. في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان وفلسطين.. الخ، بعض الدول العربية تدعم  وبشكل علنى كل القوى غير العربية حتى ولو كانت إسرائيلية في هدم الدول وقتل الشعوب العربية، والبعض يدعم قوى إقليمية مثل إيران وتركيا في حروب بالوكالة هنا وهناك من سوريا إلى لبنان إلى فلسطين إلى اليمن وليبيا والسودان.. 

 

 

ووصل الأمر إلى المشاركة في مشروعات في إثيوبيا لتعطيش مصر، سند وظهر العروبة وبعيدا عن بيانات الجامعة العربية أعتقد لو كشرت هذه القوى الاقتصادية العربية عن أنيابها منذ البداية لتوقف المخطط الإثيوبى عن سد النهضة فورا ومنذ البداية، ولا تقل أن هذه تعاملات فردية أو شركات فالأمر مختلف كما نعلم جميعا في عالمنا العربى. 

الكل يتسارع في عمليات تطبيع مجانية مع العدو الاسرائيلى وبدأ النفوذ الاسرائيلى يتغلغل هنا وهناك في شراكات اقتصادية وأمنية.. آه والله.. إنتهت القضية الفلسطينية والأخطر من ذلك وهو خطير إننا نسمح للذئب أن يحرس الغنم!

yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية