حرامي الذهب
لا أستطيع أن أصف ما يحدث فى أمر الفتوى في دول العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة سوى بالعبث الذى أساء للإسلام والمسلمين أمام العالم، وجعل كثيرا من أمور الدين السمح مسار استهزاء من العالم، وبات يحتاج إلى وقفة حازمة لإسناد أمر الفتوى إلى أهله، ومنع أنصاف العلماء وراغبي الشهرة من الإفتاء دون علم.
فمنذ أيام خرج علينا شيخ جليل ينتمى إلى مؤسسة دينية غنية بعلمها وعلمائها، مدعيا في فتوى عجيبة "أن الجن من الممكن أن يسرق الأموال والذهب، بل وينقلها من مكان إلى آخر، ويأتيك على هيئة خاطر أو رؤية ويخبرك عن مكان وجود تلك الأشياء المفقودة، واتهام شخص بسرقتها بالباطل".
وطبقا لمنطق العقل، لا أدرى ماذا يدفع الجن لسرقة بضعة الجنيهات أو قطعة ذهبية من شخص عادى، ويترك كل البنوك المركزية ومطابع البنكنوت ومصانع المعادن النفيسة فى العالم، التى يستطيع أن يحمل منها كيفما شاء، ويأتي بها إلى ساحرة، فى الوقت الذي من الممكن أن تعطي الفتوى العجيبة للمحامين الحق في الأخذ بها كسند أمام المحاكم لتبرئة اللصوص، وإتهام الجن بافتعال الآلاف من حوادث السرقة.
فتاوى شاذة
فتوى الشيخ الجليل لا تختلف بالطبع عن عشرات الفتاوى التي أطلقها شيوخ أجلاء خلال السنوات الأخيرة -طبقا لأهوائهم- وأبرزها الفتوى الكارثية التي أجاز فيها الدكتور يوسف القرضاوي للإنتحاري تفجير نفسه وسط المدنيين، حتى وإن نتج عن ذلك خسائر طالما رأت الجماعة ذلك، ولا أدرى إن كان الشيخ الجليل سيظل على رأيه أم سيتغير فى حاله سقوط نجله أو زوجته أو أخيه مع الأبرياء في أي من تلك التفجيرات التي أحلها عن قناعة.
ذات الحال ينطبق على الفتوى الكوميدية التى أطلقها أستاذ علوم دينية منذ فترة، وأجاز خلالها للموظف أن يرضع من زميلته فى العمل 5 رضعات تجنبا للخلوة بينهما، والتى لا أدرى إن كان ذلك العالم الجليل سيقبل أيضا بصحة فتواه، فى حالة ما إذا كانت المرضعة زوجته أو ابنته.
العجيب أن شطط عدد من الشيوخ الأجلاء ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أحل شيخ شهير تبادل القبلات بين الجنسين في حالة عدم القدرة على الزواج، ولا أدرى إن كان الشيخ قد يسمح لابنته غير المتزوجة بفعل ذلك ام لا، غير أنه لا عجيب وهو من أفتى أيضا بشرعية التدخين فى نهار رمضان.
واستمرار لشطط بعض من يدعون أهليتهم للفتوى، حرم شيخ معرف محاسبة الزوج لزوجته أو عشيقها في حالة ضبطهما فى وضع مخل، مؤكدا ضرورة أن يتيقن الزوج أولا أن الفرج فى الفرج، ثم يعود بعد ذلك إلى الحكم الشرعي، ولا أدرى إن كان الشيخ الجليل سيظل أيضا على رأيه ام سيتغير، فى حالة ما إذا ضبط زوجته فى مثل ذلك الوضع المخل، فهل سينتظر إلى أن يتيقن، ثم يعود لحكم لشرع.
العجيب، أن شيخ جليل لم يكتفي بما سبق، فأزاد عليه مفتيا بأن خيانة المرأة لزوجها يعد ذنبا بينها وبين الله ولا يحق للزوج محاسبها عليه، ولا أدرى إن كان الشيخ قد سأل نفسه قبل أن يفتى بفتواه، إن كان هو ذاته مكان الزوج، هل سيقبل بالعيش مع زوجته وعدم محاسبتها على خيانتها، أم سيقبل أن يكون ديوثا.
ذات الشطط ويزيد خرج عن أحد الذين يدعون أهليتهم للفتوى، حيث أكد في فتوى عجيبة، أن القرآن الكريم لم يحرم الزنا، ولم ترد فيه آية تقول ذلك، وأن الله حرم كل مقدمات الزنا وما يؤدي إليه فقط حيث قال: "ولا تقربوا الزنا" أي أنه بمفهوم الشيخ من الممكن أن تزنى دون أدنى ذنب، وما عليك فقط إلا أن تتجنب المقدمات.
كما لم يفت عدد من الشيوخ الاجلاء إقحام الفتوى في السياسة، حيث حرم شيخ سلفى الانضمام للأحزاب السياسية بحجة أن الإسلام ليس به أحزاب، على الرغم من الفصيل الذي ينتمي إليه يمتلك حزبا سياسيا وممثلا بالبرلمان منذ أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير وحتى الآن، وهو ذات الفصيل الذي سبق وافتى بحرمة الزواج من أبناء أعضاء الحزب الوطني المنحل فى عام 2011.
أمر الفتاوى الشاذة في الدول العربية والإسلامية تعدى كل ما سبق بمراحل، حيث أفتى شيخ سوري بحرمة نوم المرأة بجانب الحائط لأن الحائط ذكر، أي أنه طبقا للفتوى لا يحتاج أى منا للخلاص من أنثى سوى التيقن من إنها نائمة بجوار الحائط والاتصال بشرطة الآداب لتخرجها متلبسه وفضيحتها بجلاجل.
الأغرب من ذلك ما أفتى به شيخ خليجي بعدم جواز استخدام المرأة للإنترنت دون وجود محرم، وحرم آخر مغربي تناول النساء للموز والخيار سوى بعد تقطيعهما لشرائح بمعرفة محرم، لأنهما مثيران جنسيا للمرأة، وحرم ثالث من جنسية أخرى أكل السمبوسة لأن أضلاعها تشبه الثالوث المقدس، وأحل رابع معاشرة الزوج لزوجته المتوفية، وأجاز خامس للمرأة الحامل شرب الخمر خلال فترة الوحم، وأفتى سادس ببطلان عقد الزواج في حالة تعري الزوجين بشكل كامل خلال الجماع.
أؤكد إننى لم أكن يوما ضد علماء الدين الأجلاء، وأكن لهم جميعا كل تقدير واحترام، غير أن الواقع المؤسف يؤكد أن تصدى غير المؤهلين لأمر الفتوى عن غير علم بات يشكل خطرا على الإسلام، ويتطلب ضرورة تحرك حازم من الحكومات الإسلامية لإسناده الأمر إلى أهله، وإلزام وسائل الإعلام بتجاهل نشر الفتاوى غير الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية المخولة بالإفتاء.. واللهم قد بلغت اللهم فشهد.. وكفى.