رئيس التحرير
عصام كامل

المجتمع المريض!

هل يمكن القول بطمأنينة وفي ثقة، أن المجتمع المصري صحيح، سليم نفسيا؟ هل مازلنا أسوياء؟ من الشخص السوي؟ السوي هو المعتدل في أفعاله وفي ردود أفعاله، وفق منظومة القيم والأعراف.. دينية واجتماعية وقانونية. يستقبل أفعال الآخرين بميزان العقل والقياس دون شطط، أو انحراف،أو جنوح، غريزي قهري محسوب عليه، يقاومه بما تربى عليه، وبما استقر فيه من دين قويم. وإذا فعل فعلا فإنما يأتيه وفقا لهذه القيم، وربما إذا غلبه هواه وانحرف، لكنه يستنجد في الحال بما ترسخ فيه من تقوى وخشية.. من الله.. ومن الزجر والنهي الاجتماعي.. عيون الآخرين المستنكرة.

 

هذا حال الشخص الواحد.. يجري علينا جميعا هذا الحال، ليس مستمرا ولا متلبسا بنا، لكن يحدث أن تدخل مجتمعات كاملة في هذه الدورة.. فلا تخرج منها إلا بماس وجراح عميقة ونزيف مستمر، قبل أن تلتئم الجراح وتهدأ التربة الاجتماعية ويعود الناس ناسا.. وأخلاقا.

بصراحة يمكن مع شئ من الصبر والتأمل أن نرصد حالة خلل نفسي عام.. لا يمكن تفسير الظواهر الشاذة المتتالية في مجتمعنا المصرى بدون إلحاقها بحالة الانقلاب على الذات والهوية والرغبة في تدميرها وتفكيكها. حين يسيطر قطاع من المجتمع، تحت ستار الدين تارة، وستار الحرية الكاذبة تارة أخرى، فإن ثقافة تحطيم المقدس.. والكبير والمحترم.. والنفيس تسود، وتهبط إلى أدنى درجة كل المحاذير والمراجعات.. فلا ندم على لطم شيخ وقور على وجهه.. ولاندم على تدمير ما ينفع الناس... لأن الوطن ذاته كان معروضا للبيع والتداول بين رعاع الأمم.

دراسة علمية 

 

نحن مسلمون نعم، ومسيحيون نعم.. ومصريون نعم.. لكننا لا نعمل بما تمليه عليه ديانتنا، ولا وطنيتنا. نحن أمة واحدة نعم. شعب واحد نعم. مجتمع واحد نعم. لكننا ننفس على بعضنا البعض. ولا يطيق بعضنا البعض. ولا صبر لنا على بعضنا البعض. ولا نقول الصدق غالبا.. وللكذب لدينا ثقافة تبريرية مؤصلة..

 

ثم هل فكرتم عميقا لماذا لدي الناس قابلية لتصديق رواية سقوط ميكروباص به ١٤ شخصا، من فوق كوبرى الساحل، إلى جوف النيل؟.. شاهد صرخ.. وأكد واستغاث.. وسور الكوبري ساقط.. ومنذ أيام لا أثر لبلاغ واحد بمفقودين.. ولا أثر لغرقي.. ومسح الغواصون القاع جيئة وذهابا وعمقا.. لا أثر.

هل هناك تفسير؟ التفسير المتاح في إطار الحالة الذهانية الجماعية: القابلية للاستهواء.. القابلية للانشغال. القابلية لشيوع حالة الاجترار السوادوية.. مضغ الأحداث وإعادة مضغها.. بالبلدي: الهرى واللكلك! مجتمع معنى بمن كسب ومن أين كسب، ولا يمكن يكسب إلا أن كان لصا.. ومن طلق.. والمطلق يفضح طليقته، وطليقته تكشف دناءته، ومن زنا والزاني يتبجح رغم ستر الله ويفضح، ومن تزوج يتباهي بملايين أنفقت في ليلة زواج واحدة ومن حوله جوعى تقريبا وصرعى ضغوط حياتية ومن باع ومن فجر..  إلخ.

هو مجتمع مؤهل للتناحر والتفتت والتنابذ، مجتمع مريض لابد من انقاذه سريعا وعاجلا. هل لديكم تفسيرا لحالة الشماتة المؤججة العاجلة بمجرد حدوث حريق مفاجئ في قاعة بالجونة استعدادا لمهرجانها السنوي الكبير؟ الحريق، بحمد الله، محدود، ومن ماس كهربائي.. لكن النفوس المريضة تبارت في إظهار الشماتة.

كل الأديان تأمرنا بعدم الشماتة.. لأن الحياة سلف ودين. لكن الشامتين للأسف حثالة تنتمي إلي الدين إسما.. لا فعلا. إلى متى نظل رهائن هذه الحالة؟ متى يستقيم المجتمع، ويستقر نفسيا ويهدأ ويسترد سلامه الروحي، وتسوده المحبة والتسامح؟

لابد من دراسة علمية، تتخذ من دول ومجتمعات مارست رذيلة تدمير الذات.. ثم استفاقت وتعافت.. ونتعلم كيف نعالج أنفسنا. لا ينكرن أحد منا: كلنا مرضى يا عزيزي.

الجريدة الرسمية