رئيس التحرير
عصام كامل

مؤامرة إخوانية لاغتيال عبد الناصر

تاريخ التضامن الأفروآسيوي (7)

انعقد مؤتمرالحياد الإيجابى بعد 3 سنوات من قيام ثورة 23 يوليو 1952، و«كان اشتراك مصر فيه معركة كبرى فى حد ذاتها»، بوصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»، مضيفًا: من ناحية بذلت بعض الدول الأجنبية الغربية محاولات مستميتة لمنع مصر من أن تشترك فى هذا المؤتمر للتضامن الآسيوى الأفريقى، وتحمل دورها فى حركة التحرر الوطني.

 

 ووصل الأمر إلى حد أن «كيرميت روزفلت» مسئول المخابرات المركزية الأمريكية جاء بنفسه إلى القاهرة لمقابلة جمال عبد الناصر، يحمل تقريرا بأن واشنطن لديها معلومات بأن جماعة الإخوان ترتب لاغتياله أثناء وجوده فى إندونسيا، وكان «روزفلت» يحمل معلومات تفصيلية عن نشاط الإخوان وقوتهم فى ذلك البلد الآسيوى المسلم البعيد.

 

 يؤكد «هيكل»: «كان روزفلت يحمل معلومات مفصلة عن اجتماعات عقدت فى جاكرتا، وقررت فيها تنظيمات الإخوان هناك أن تنتقم من جمال عبدالناصر».  زادت فكرة الانتقام لدى الجماعة بعد فشل محاولتها لاغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر عام 1954. يذكر«هيكل» رد فعل عبد الناصر على ما قاله «رزفلت»: «أزاح جمال عبد الناصر كل هذه التقارير والمعلومات جانبا قائلا، إنه لن يتخلف عن اجتماعات باندونج».

 

 

وفي افتتاح المؤتمر، قال عبد الناصر كلمة تاريخية، يجب أن تدون في كتب التاريخ.. قال: "إنه ليسرنى أن أنتهز هذه الفرصة لتقديم خالص الشكر للدول الخمس الداعية على ما بذلته من جهود فى سبيل عقد هذا المؤتمر، وإنها حقًا لمناسبة عظيمة وحدث جليل كنا جميعًا ننتظره بفارغ الصبر".

كلمة عبد الناصر

 

ويكمل عبدالناصر قائلا: "لقد اجتمعنا فى هذا المؤتمر ممثلين للدول الآسيوية والإفريقية، وثمة تشابه يستدعى النظر بين الظروف القائمة فى بلاد القارتين، وهو تشابه من شأنه أن يوحد بينها، وقد تخلصنا من عهد طال أمده، كنا فيه تحت تأثير نفوذ أجنبى فى شئوننا الاقتصادية والسياسية سواء، وتواجهنا الآن مشاكل النهوض الاقتصادى والتطور الاجتماعى والسياسى. 

 

إن إيماننا بعظيم إمكانيات بلادنا وهى تعمل متعاونة فى سبيل عزة البشرية وكرامتها ليقوى ويشتد إذا نظرنا إلى ما أصبح معروفًا باسم الكتلة الآسيوية - الإفريقية. وإن مصر بوصفها إحدى دول الجامعة العربية ليسرها أن تسجل تقديرها لما تظهره الدول الأخرى من أعضاء الكتلة الآسيوية - الإفريقية من تأييد دائم لقضايا الدول العربية أمام هيئة الأمم المتحدة.

 

ما كان انشغال مصر بإصلاحاتها الاجتماعية والاقتصادية ليعوقها عن القيام بالتزاماتها الدولية فى مثل هذا الظرف العصيب الذى تجتازه البلاد. إن مصر التى ظلت أمدًا طويلًا خاضعة للسيطرة الأجنبية تقف الآن وقفة المدافع عن الحرية والرفاهية للشعوب كلما سنحت الفرصة لذلك، وتأييد مبدأ تقرير المصير لكافة الشعوب، وهذا أظهر ما تتسم به سياستنا الخارجية.

 

ميثاق المنظمة العالمية

بيد أن الميثاق تضمن ارتباطات وقيودًا محددة من جانب المنظمة العالمية، والتزامات ومسئوليات من جانب أعضائها بشأن المناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتى. فقد حدد الميثاق التزامات خاصة فرضها على الدول الحاكمة، ومن بينها تنمية الحكم الذاتى فى تلك المناطق، وأن تأخذ فى حسبانها الأهداف السياسية لهذه الشعوب، وتعينها على النهوض بمؤسساتها السياسية، غير أن الدول الاستعمارية لم تراع ذلك. وقد كافحنا وسنظل نكافح حتى تطبق هذه الالتزامات التى فرضها الميثاق على الدول الاستعمارية.

 

وفى فترة التوتر بين الدول الكبرى - الذى عاق تقدم هيئة الأمم - كانت مصر من أنصار الميثاق وما نص عليه من مبادئ. ومع أن الدول العربية كانت من أكثر الدول خلوًا من الأوهام بشأن عدم قيام هذه المنظمة بما يطابق حقوق الإنسان - ولاسيما فيما يتعلق بدول شمال إفريقيا وفلسطين - إلا أننا لم نفقد ثقتنا فيها، ولم يقل اهتمامنا بشأنها، وما كان موقفها ليعوقنا عن التعاون معها فى نواحى نشاطها، أو ليضعف إيماننا بمبادئها الرفيعة وأهدافها العالية".

 

وأشار إلى أحد أهم سمات سياستنا الخارجية: "توسيع نطاق التعاون بين دول الكتلة الآسيوية - الإفريقية، وإنى لعلى يقين من أن التعاون بين الدول الآسيوية - الإفريقية من شأنه أن يقلل من حدة التوتر الدولى القائم حاليًا، ويساعد على دعم السلم ونشر الرخاء والرفاهية فى العالم".

 

ولست أعرف عصر أجمعت شعوب العالم فيه على هدف واحد بمثل ما أجمعت عليه الآن، بتضافرها فى بذل الجهود لتحقيق نظام دولى فعال، هلا حولنا الأمانى إلى يقين واقعى؟

عندى أن خير ما تعمله الدول هو العمل على تحقيق السلم العالمى، وللوصول إلى هذه الغاية لابد من توافر خمسة شروط:

الشرط الأول: نجاح الجهود التى كانت هيئة الأمم ولا زالت تبذلها بتنظيم وتحديد وتخفيض القوات المسلحة والتسليح، وكذا القضاء على الأسلحة ذات التدمير الشامل.

 

إن مصر -ويقينى أن كافة الدول الممثلة فى هذا المؤتمر وغير الممثلة سواء- لتدرك تمام الإدراك، ويؤلمها أشد الألم ما تتكلفه أعباء التسليح من نفقات وجهود توشك أن تقصم ظهر الاقتصاد العالمى وتعوق النهوض الاجتماعى. ونأمل بحماس وحرارة وقف هذا التسليح فورًا؛ حتى يفيق العالم من كابوس الفزع المريع الذى يقض مضجعه من جراء هذا التسليح.

 

الشرط الثانى لتحقيق السلم العالمى: هو تمسك هيئة الأمم المتحدة بالميثاق ومبادئه، فيجب أن تكون كافة القرارات والإجراءات التى تتخذها هذه المنظمة العالمية أساسها الميثاق، ولو روعى هذا لما نزل بشعب فلسطين ذلك الظلم البين.

هناك شرط آخر لقيام السلم العالمى، وهو احترام الدول لالتزاماتها الدولية. فبمقتضى ميثاق هيئة الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان لم تعد معاملة الدولة لبعض الأفراد أو لجماعة تعتنق مبدأً معينًا - سواء أكان هذا تفرقة عنصرية أم سموًا مستندًا على انتماء إلى أصل عريق - مسألة داخلية كما تذهب بعض الدول فى ادعائها، بل أصبحت مسألة دولية تهم العالم أجمع.

 

الضغط السياسي

وهناك شرط آخر أحب أن أشير إليه، فكثيرًا ما تغفله الدول ولا سيما الكبيرة منها، ألا وهى ألاعيب الضغط السياسى التى بها تعمل الدول الكبيرة على استخدام الدول الصغيرة كأداة لتحقيق أغراض الأولى، هذا يجب وقفه فورًا إذا أردنا أن نضع حدًا للتوتر الدولى الموجود حاليًا.

 

وثمة شىء آخر -وهو أخير ولكن ليس بآخ- ذلك هو موضوع تصفية الاستعمار الذى طالما كان سببًا فى الاحتكاك بين الدول وما يستتبعه من قلق، ومنذ أن اتسعت رقعة الاستعمار اتسعت معه نظام الحكم الاستعمارى الأجنبى الذى كان دائمًا مثار الحروب".

الجريدة الرسمية