رئيس التحرير
عصام كامل

حين تزين الرحمة القلوب

سطور نشرها أحد الأشخاص عبر إحدى مجموعات الرفق بالحيوانات الأليفة على موقع التواصل "فيس بوك"، يتعجب فيها من تخلى الناس، بل واندهاشهم من سلوك الرفق بالحيوان الضعيف، بل وسخريتهم ممن يحاول مساعدته ويتألم لألمه.

تقول السطور: (عايز أسأل سؤال محيرني هي ليه في مجتمعنا الرحمة بالحيوان محط سخرية، النهاردة كنت بتعشى في مكان ما وجاءت قطة شكلها حامل وقعدت تلف حوالين الناس فى المكان، ناديت عليها وأحضرت أطباق ورقية فارغة وضعت لها في واحد منهم طعام وفي الآخر مياه، وكانت الصغيرة تلهث وتصرخ من الجوع).

 

 

وتكمل السطور: (أكلت القطة وشربت معي فوق الترابيزه حتى أدركت أنها شبعت تماما، وليست المشكلة في هذا مطلقا، إنما كانت في أن كل من يدخل إلى المكان أو الجالسين به سخروا من هذا التصرف، وهناك من تسمر أمامى ناظرا في سخرية أيضا عما أفعل، ولدى سؤال هام، هي دي مش أرواح بدل ما نحاول نرحمها من الجوع والعطش نسخر من اللي بيساعدهم؟، ربنا يرحمنا ويرحم العقول المريضة).

عندما تنزع الرحمة بالضعفاء من قلوب الناس، قل على الدنيا السلام، فإن ابن آدم إذا ماتت فيه تلك الفضيلة، بل واندهش ممن يتحلى بها، فهو أقرب إلى الجماد، مجرد جسد بلا روح أو مشاعر، غليظ القلب على كل من حوله حتى أولاده، لا يتلمس بتلك الأرواح الهائمة التي تبتغى من رزق الله فى أرضه، رفقا.

الرفق بالحيوانات الأليفة

أتعرض لمواقف كثيرة من تلك التى أرى فيها فى عيون أحد خلق الله، استنجادا ولهفة جوعا أو خوفا، فحين رأيت مجموعة من الصبية يعبثون بجسد كلب في الشارع، وهم يلفون حول رقبته حبلا خانقا رفيعا يسحبونه منه في قسوة بالغة، يكاد يشطر رقبته، فيما يلهث مذعورا بينهم، ينظر إلى المارة مستغيثا بأي يد تنقذه من بشاعة أبناء آدم.

وتمكنت بعد محاولات، من إقناع الصغار أن هذا الضعيف يتألم ويشكو لخالقه، وأنه من الأفضل لهم عند الله، تركه وشأنه وعدم تكرار هذا،  بل العناية به وإطعامه من أى شيء متاح لسد جوعه، وتمكنت من نزع هذا الحبل الخانق من حول رقبته، مع وعد منهم بعدم تكرار هذا الفعل.

قط صغير وجدته على أحد أرصفة محطة المترو، ينظر إلى أحد الجالسين على المحطة، يمد يديه متعلقا فى الكرسي، ينتظر ما يسقط من طعام رجل كان يلتهم بعض المخبوزات، ولكن خاب رجاء الصغير، بعد أن التهم الرجل طعامه، ولم يعر الجالس تحت قدميه أدنى اهتمام، حيث أنزل الصغير يديه مطرقا رأسه الى الأرض وهو لا يكف عن المواء جوعا.

ولحسن حظي، أنني تعودت على اصطحاب بعض الطعام المجفف في حقيبتي، لأى قطط تصادفنى بالشارع، وأشرت لهذا الصغير، فاقترب خائفا، الى أن اطمئن لسلامة نيتى تجاهه ويدي الممدودة بالطعام، وبدأ يلتهم ما في يدي، وهو ينظر إلى نظرة امتنان.

منذ يومين وأثناء عودتى من محل عملى، وجدت احدي السيدات الفاضلات، وهى تفتح حقيبة سيارتها، وتنادى على قطط وكلاب الشارع، وقد أعدت لكل منهم وجبة طعام مناسبة له في طبق خاص به، واجتمع حولها حينها ما يقرب من 15 قطة وكلب أو أكثر، يلتهمون ما وضعت، وهم ينظرون إليها فى امتنان بالغ.

لا أدعى  رحمة أو رفقا أو تجملا أمام الناس بتلك الأفعال التى ربما اكون انا وغيري أحوج الى عوائدها، من هذه المخلوقات الضعيفة، الحاجة إلى تفشي فضيلة اللطف فيما بيننا البعض وفيما بيننا وبين خلق الله الأخرين كافة.

ترقيق القلوب

نحتاج بين فترة والأخرى إلى ترقيق القلوب بنظرة ممتنة من أحد ضعفاء هذه الأرض، تمسح عنا عناء الذنوب، وقسوة القلب التى باتت تكبل الأجساد. لا ندرى بأى الأعمال قد يقبلنا الله فى عباده الصالحين، فهذه الكائنات الضعيفة، لاتقدر على البوح والتعبير بما يؤلمها ويؤذيها، لا تملك سوى الصراخ والبكاء، والشكوى الى خالقها، لا يملكون خبثا ودهاء مثل بعض بني البشر، فقط يريدون الطعام والامان، يكونون في أشد الاحتياج إلى لحظات بسيطة من أوقاتنا، ولقيمات بسيطة من بيوتنا، ولا يطمعون سوى فيما يسد رمقهم، ويؤمنهم من خوف.

لنربي في أنفسنا من جديد ونعلم أولادنا، أن سلوك الرحمة والرفق بالحيوان الضعيف هو من أسمى الفضائل الحميدة، وأن وجود هذه الكائنات على وجه البسيطة، كان لحكمة إلهية بالغة من أجل توازن الكون، لنتعلم أن الاستقواء على الضعيف الجائع والخائف ليس من شيم الاخلاق، وأن رفع الضرر والأذى عن هؤلاء قد يكون طريقا جميلا إلى حياة مزينة بشئ واحد اسمه "الرحمة".. دمتم رحماء بأنفسكم وبغيركم.

الجريدة الرسمية