رئيس التحرير
عصام كامل

هارون الرشيد وبهلول!

يحكى أن «بهلول» كان رجلًا مجنونًا فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد، وفى يوم من الأيام مر عليه هارون الرشيد وهو جالس على إحدى المقابر، فقال له هارون معنفًا: يا بهلول يا مجنون، متى تعقل؟ فركض «بهلول» وصعد إلى أعلى شجرة، ثم نادى على هارون بأعلى صوته: يا هارون يا مجنون، متى تعقل؟

فأتى هارون تحت الشجرة، وهو على صهوة حصانه، وقال له: أنا المجنون أم أنت الذى يجلس على المقابر؟ فقال له بهلول: بل أنا عاقل! قال هارون: وكيف ذلك؟ قال بهلول: لأنى عرفت أن هذا زائل -وأشار إلى قصر هارون- وأن هذا باقٍ -وأشار إلى القبر- فعمرت هذا قبل هذا، وأما أنت فإنك قد عمرت هذا -يقصد قصره- وخربت هذا -يعني القبر- فتكره أن تنتقل من العمران إلى الخراب، مع أنك تعلم أنه مصيرك لا محال، وأردف قائلًا: فقل لى: أينا المجنون؟

فرجف قلب هارون الرشيد، وبكى حتى بلل لحيته، وقال: والله إنك لصادق. ثم قال: زدنى يا بهلول. فقال بهلول: يكفيك كتاب الله فالزمه. قال هارون: ألك حاجة فأقضيها؟ قال بهلول: نعم ثلاث حاجات، إن قضيتها شكرتك. قال: فاطلب. قال: أن تزيد فى عمري! قال: لا أقدر. قال: أن تحمينى من ملك الموت! قال: لا أقدر. قال: أن تدخلنى الجنة وتبعدنى عن النار! قال: لا أقدر.

قال: فاعلم إذن أنك مملوك ولست ملكًا، ولاحاجة لى عندك. يقول الله جل وعلا عن الحياة الدنيا وعن الآخرة: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}. ويقول أيضا: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

حقًا ما أفضل أن يعمل الإنسان لدنياه كأنه يعيش أبدا، وأن يسعى ويجد ويجتهد ويأخذ بكل الأسباب، ولكن فى نفس الوقت أن يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا.

الجريدة الرسمية