رئيس التحرير
عصام كامل

تحت الكباري الجديدة

إلى أن تكشف طالبان عن وجهها الحقيقي كاملا، كشفت جزءا منه أمس حين اقتحمت بالآلى استوديو النشرة الإخبارية وألقت بيانها الذى استهلته ب(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، فسنصرف اهتمامنا نحو شأننا الداخلى. ونركز الآن على الجمال والروعة والانسيابية التى تبهج النفس شرقي القاهرة. مدينة نصر والتجمع ومصر الجديدة. طرق وكبار واضاءات وحسن تنظيم.. لكن.. مع دورانات طويلة مملة للحق !

 

بالطبع نحن سكان جنوب القاهرة، المعادي وما تحتها ننتظر مثل هذه النهضة المرورية الإنشائية، ونرصد بعضها علي دائرى المنيب والاوتوستراد حاليا، وننتظر محور الجزائر بفارغ الصبر..كل هذا جميل ومبشر.. لكن..

 

ننبه إلى أن الهدف الأساسي من الإنشاءات المليارية هذه هو التيسير والتوفير. تيسير الحياة علي المواطنين والحفاظ على صحتهم النفسية والعصبية، وتوفير الوقت، للعمل وللأسرة، وتوفير المال، بنزين وقطع غيار. فضلا عن الاستمتاع بفكرة أن مصر تتطور وأنها تمضى إلى الأروع والأجمل.

 

هل هذا تحقق؟ نعم تحقق بالكاد لأن نبذ العشوائية أحدث أثرا عكسيا.. فقد هرولت الأحياء إلى إنشاء كافيهات ومطاعم. ومحطات بنزين وأنتخة تحت الكبارى وقرب المطالع، ( مثلا وانت خارج من شارع التسعين وورايح على المعادي)، ومواقف انتظار.

إعادة إنتاج الزحام

 

يريدون بالطبع وبالقطع إلى إستثمار جيد للبنية التى أنفق عليها مال وفير غزيز، لكن واقع الأمر أن الزحام الذي تخلصنا منه بالانتقال من الدور السفلي إلى الدور العلوى، عاد بكثافة الى ما تحت الكباري.. عاد إلى الدور السفلي! يجوز فعلا تحويل الفراغات الهادئة إلى محلات بيع راقية خفيفة كالزهور والورود.. أو زرعها، لكن أن تصير مواقف سيارات، ومطاعم وكافيهات، فهذا يعني المزيد من الناس بسياراتهم بعائلاتهم بمخلفاتهم بتدافعهم بتراكمهم.

 

بعض الأماكن تتحمل، وبعضها الآخر لا يتحمل. لذلك نتوقع إعادة التخطيط، وإعادة التوزيع، وتفتيت الكثافات تحت الكبارى. ليس الهدف أساسا تدوير الفلوس. هذا يأتي وحده من إرتياح المواطن.. لكن إعادة إنتاج الزحام من فوق إلى تحت هو سوء تخطيط..

ما فعلناه بالضبط كمن وسع الله عليه بشقة فسيحة خنقها بالصالونات والانتريهات والأجهزة. البراح.. والفراغ.. والفضاء والأفق المفتوح متنفس كبير.

 

كنت في زيارة والمهندس أسامه الشيخ قبيل سفره إلى الولايات المتحدة، للفنان التشكيلي والأديب حسين نوح.. شقته ما شاء الله في الطابق الثالث عشر أمام النادي الأهلي بمدينة نصر.. كنا ليلا.. رأيت جمال وروعة وبهاء القاهرة من عل. هتف قلبي كالعادة الله يخليك يا سيسى أيها الحالم، كلما رأيت بلدي تتجمل حقا وصدقا لا زيفا ولا كلاما.. المنظر يبعث علي الراحة والزهو. من فوق.

 

من تحت، نحتاج إلى فك بؤر الاختناق التى تتشكل حاليا. الآن يمكن فعل ذلك وهى في طور التكوين والنمو. ولكن لو تحورت تضخمت وتعقدت وفسد الجمال وإنتشر فيروس العشوائية. حضور الحي بقوة مطلوب. حضور التنسيق الحضارى مطلوب أيضا. ننبه قبل أن تتدهور جماليات الصورة ويهدر المال والإستثمار..

الجريدة الرسمية