رئيس التحرير
عصام كامل

كلنا دكاترة.. يا هندسة !

رغم سحب التكريم والشهادة الوهمية بالدكتوراه الفقرية للممثل الجدلي المرفوض اجتماعيا والمقبول سوقيا، ورغم تراجع المركز المسمى بالألماني.. تبقى القضية قائمة.. فوضى سوق الألقاب والتلقيب وماسورة الدرجات العلمية .. يميل الشعب المصرى بطبعه إلى خلع الألقاب علي بعضهم البعض. فهذا الشيخ فلان، وهذا الحاج علان، وهذا الباشا والباشا الكبير، وذاك بك والآخر أفندي.. ولقب أستاذ انتشر كثيرا في الستينيات ومعه لقب سيد، فكلنا سيد فى ظل الجمهورية، بعد إسقاط ثورة يوليو لفوضى ورشاوى شراء البكوية والباشوية.. ومعهما الطربوش. 

 

 

مع الانفتاح تفشت لغة شوارع جديدة، تعتبر مؤدبة جدا بالنسبة للغة التلقيب السارية. ألقاب اليوم دخلت علي المخزن الخاص بالجامعات والمراكز البحثية، والمستودع الخاص بالقضاء. أكثر الألقاب شيوعا ورغبة في حملها ليس الباشا ولا البك، هذان يخصان الشرطة، بل الدكتور والمستشار. لحرف الدال عند أنصاف المتعلمين الأغنياء سحر كاسح.. يرغب الغني الجاهل المستعفي في التعويض.. فيشطح وينطح ويتحصل بدولاراته علي دكتوراه جاهزة. فخرية أو شكرية أو وهمية.. لا يهم.. سوف يذيعها مذيع وينادي ببرنامجه على الشخص المسعور علي الدرجة العلمية.. بلقب يا دكتور. ومن برنامج لبرنامج يحصل الجاهل أو نصف المتعلم على شرعية اجتماعية، بينما الوسط العلمي الجامعي يجز على أسنانه كمدا وغيظا!

كسر قدسية العلم

 

هل دكتوراه أيمن نور صحيحة؟ هل دكتوراه الممثل الجدلى صحيحة؟ مطعون فيها جميعا اجتماعيا لأن الدرجة العلمية لاتباع ولا تشترى، إنما هي جهد عقلي جبار، منظم، له خطة، وأسس في البحث، والتأصيل، ووضع الفرض العلمى والسعي لاثباته أو نفيه.. تحت إشراف أساتذة عظماء في مجالهم..

 

سوق الطماطم الحالي فتح المجال أمام الآفاقين، والطامعين والجهلاء لمزاحمة العلماء. وأظن أن الجرأة على الرغبة في مزاحمة العلماء جريمة أكبر من تزوير شهادة دكتوراه إشتراها جاهل مستعفي بماله! لماذا جريمة؟ ببساطة لأن كسر الرهبة المرتبطة بقدسية العلم والدرجة العلمية يجعل محراب الاجتهاد مستباحا.. سفاحا.

 

يجب على البرلمان كما هرول وشرع لتنغيص حياة الناس بقانون السايس، غير المدروس جيدا مما أحرج الحكومة، أن يشرع قانونا لوأد هذه الفوضى ومعاقبة تجارها وعلى الحكومة أن تعلن الحرب القانونية، حرب انضباط علي باعة الألقاب والدرجات العلمية. لا يجوز أن يطلق نصاب على نفسه لقب المستشار، ولابد من إغلاق الكيانات الوهمية التى تحمل أسماء ضخمة تافهة: المركز الدولي، أكاديمية التنوير والتدريب، مراكز توليد سفراء النوايا الحسنة.

 

تحارب الدولة من ينتحل صفة ضابط أو طبيب.. وقتالها على حفظ صفة الضابط أشد وأحد.. ونحن نطالبها بأن تكون كذلك في مواجهة التسيب والتفريط والإفراط المزرى في سوق النخاسة العلمية.

لا يجوز مطلقا غض الطرف عن وباء الألقاب الكاذبة، لأنه لن تتساوى رؤوس العلماء برؤوس الإجلاف.. ولو حصلوا علي مليون شهادة من لبنان أو تركمانستان..

الجريدة الرسمية