رئيس التحرير
عصام كامل

عام الحسم.. السادات وأكتوبر

وسط أجواء ضبابية ووطن مأزوم ومهزوم ومحيط دولى متخبط وأطراف عالمية متشابكة تسلم الرئيس الشهيد محمد أنور السادات مقاليد الحكم، مطالبا بضغط شعبى أن يخوض حربا لإزالة آثار العدوان الصهيونى على الأرض العربية. لم يكن المشهد واضحا أمام الرئيس الجديد، فالضغط الشعبى تقابله إمكانات وظروف دولية لم تكن فى صفه، ولم تكن دافعة لخوضه حربا لا يعلم نتائجها إلا الله.


وفى عام ١٩٧١م وقف السادات أمام شعبه ليعلن أنه عام الحسم، قائلا: "إننى أقول لكم ولشعبنا بكل أمانة ووضوح إن سنة ١٩٧١م هى سنة الحسم". تنفست الجماهير المكلومة الصعداء، وانتظرت يوما بعد يوما، وشهرا بعد شهر، دون أن يفي الرئيس بوعده، ولم يكن أمامه إلا أن يصارح الجماهير، خصوصا بعد نشوب الحرب الهندية الباكستانية، حيث انشغل السوفييت، الحليف الأقوى ساعتها لمصر، بأمر تلك الحرب.

عاد السادات ليطل على الجماهير متحدثا عن "الضباب"، شارحا للشعب أنه بالفعل اتخذ القرار، غير أن الظرف الدولى حال دون أن يبدأ معركة الكرامة، وعلل ذلك بالحرب الباكستانية الهندية.

أزمة عام ١٩٧٢
لم يكن خطاب السادات مقنعا للشعب الذى ينتظر بفارغ الصبر معركة يسترد فيها كرامته وكبرياءه وأرضه، وشعر الناس بالإحباط، وتحركت مياه كثيرة فى البحيرة الراكدة، وبدا واضحا أن جيل الشباب سيضغط أكثر من تصورات الرئيس.

فى منتصف يناير من عام ١٩٧٢م عقد الطلاب مؤتمرهم بعد يومين من خطاب السادات، وعمت المنشورات الغاضبة أنحاء المعمورة رافضة حالة اللاسلم واللاحرب التى كنا عليها.

زاد من حدة المطالب حديث الرئيس عن الديمقراطية، وبدا واضحا أن الجيل الجديد لن يصبر على ذلك، فطالبوا بتسليح الطلاب لخوض المعركة، واقترحوا تشكيل اللجنة الوطنية العليا للطلاب فى جامعة القاهرة لبدء التدريب العسكرى، ودعوا الرئيس لحضور المؤتمر.

وما بين شد وجذب، وبين عقلانية رئيس يدرك تفاصيل قد لا يدركها الطلاب، وبين جيل لا يعرف السكوت على هزيمة نكراء، ظهر أن هوة الخلاف تتسع. أوفد الرئيس الدكتور أحمد كمال أبو المجد، أحد أهم قادة الاتحاد الاشتراكي فى ذلك الوقت، لحضور المؤتمر، غير أن الطلاب انتهى بهم الأمر إلى طرد مندوب الرئيس.

حاول السادات امتصاص غضبة الجيل الجديد بالإعلان عن فتح باب التطوع فى الجيش، واتخاذ تدابير لاقتصاد الحرب دون جدوى، فاعتصم الطلاب بميدان التحرير. لم تنطفئ فورة الشباب وثورتهم على وضع السكون، وزادت المطالب حدة، ومنع الطلاب من الهتاف، وانتشرت بينهم أغانى الشيخ إمام «رجعوا التلامذة» و«جيفارا مات» وغيرها من الأغنيات الحماسية.

فى الرابع والعشرين من يناير من نفس العام اعتقلت قوات الأمن عددا كبيرا من رموز الحركة الطلابية، فاعتصم أكثر من ٢٠ ألف طالب بميدان التحرير، مطالبين بالإفراج عن زملائهم، إلا أن اعتصامهم قوبل باستخدام القوة، فعادوا إلى الميدان فى اليوم التالى.

الوطنية وقرار الحرب
وظل الشاب يطوفون الشوارع، فأمر السادات بعدم التدخل تقديرا للدوافع الوطنية للطلاب، ومضى الأمر بين تجهيز القائد لقواته وضغط الشباب عليه حتى جاءت حرب أكتوبر المجيدة.

السادات، من جانبه، كان قائدا محنكا وسياسيا بارعا ومقاتلا يعرف المعنى الحقيقى للحرب وما تتطلبه من جهود وتجهيزات ومحيط دولى ذي مواصفات معينة وقابلة لهذا التحرك. عاش السادات أياما صعبة، بعد إطلاق النكات عليه والسخرية منه ومحاولة النيل من عزيمته، غير أنه لم يعبأ بكل ذلك، وظل يتعامل مع الحرب بكل مفرداتها وتفاصيلها بكل دقة. وعندما لاح أمامه الأمل ووجد أن الظرف والعتاد والتجهيزات والقدرات مناسبة، رغم فوارق القوة والإمكانات، قرر ساعتها لحظة الحسم.

فى هذه الأوقات العصيبة كان لكل فريق نوازعه ودوافعه الوطنية التى تحكم قراراته، فالشباب يرفضون الهزيمة، والرئيس أيضا يرفض الهزيمة.

الشباب لا يدركون المعنى الحقيقى للحرب، ولكنهم يعرفون طعم الهزيمة التى تجرعوا آلامها فى «يونيو»، والقائد ذاق طعم الهزيمة، ولكنه يعرف أن الحرب ليست نزهة، وليست مظاهرة صوتية، وإنما فن وعلم وتضحيات وقتال ودم، وإما فوز أو هزيمة قد لا يكون بعدها أي فوز.

الفارق واضح جدا بين مشاعر الوطنية المتحمسة وبين قرار الحرب الذى يجب أن يتخذ فى الوقت المناسب بناءً على محددات ومعطيات يعرف تفاصيلها القائد وكل من فى مطبخ صناعة القرار.
الجريدة الرسمية