رئيس التحرير
عصام كامل

"التيجراي" ورئيس الوزراء الإثيوبي.. معركة "الاحتمالات القاسية".. 4 أسباب أشعلت الأزمة.. وإعلان "أديس أبابا" الحرب يطرح سؤالا: هل انقلب آبي أحمد على سلام نوبل؟

أرشيفية
أرشيفية
«إن الجماعات المتشددة والقوى العسكرية العالمية تمثل تهديدا للسلام والاستقرار في القرن الأفريقي».. كلمات جاءت على لسان آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، بعد تسلمه جائزة نوبل في العاشر من ديسمبر 2019، معلنًا بداية عهد جديد في بلد أنهتكه الأزمات والمجاعات، طاويًا صفحة دموية وقفت إثيوبيا على زاويتها كثيرًا، وتكبدت خسائر لا حصر لها.


وجاء جلوس «آبي أحمد» على رأس هرم السلطة فى إثيوبيا ليمنح البعض أملًا بأن الأجمل الذي تأخر موعده كثيرًا سيتحقق قريبًا.. غير أن 12 شهرًا كان كافية لأن تحمل مفاجآت غير سارة من الرجل الذي أعلن أنه يرفض الحرب ويمد يديه بالسلام للأعداء والأصدقاء على حد سواء.

صاحب نوبل يخوض «المعركة الخاسرة»
لم يكد الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي ينقضي، إلا وكانت إثيوبيا، ومن قبلها القارة الإفريقية على موعد مع مفاجأة غير سارة، فـ«آبي أحمد» الذي ظل طوال الأشهر التي سبقت نوفمبر 2020 يتحدث عن السلام ونبذ العنف، هو ذاته الذي أمر الجيش الإثيوبي بالتحرك لـ«دهس التيجراي»، وقتال من وصفه بـ«المتمردين».

وفي صباح الخامس من نوفمبر الماضي خرج الجنرال برهانو جولا، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي، ليعلن عبر التليفزيون الحكومى الإثيوبي قائلًا: «بلادنا دخلت حربا غير متوقعة... الحرب لن تأتى إلى الوسط (حيث العاصمة أديس أبابا) بل ستنتهى هناك (فى تيجراى بالشمال)».

الصورة الأكثر قربًا.. أكثر قتامة
وفي هذا الإطار، وتحت عنوان «الأزمة الداخلية في إثيوبيا: الأسباب والسيناريوهات»، قدمت الدكتورة أميرة عبد الحليم، خبيرة الشئون الأفريقية بالبرنامج الأفريقى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، صورة أكثر قربًا للوضع القائم في الداخل الإثيوبي، ولم تتوقف عند هذا الحد، لكنها ألقت الضوء على الدوافع التي أدت إلى «إعلان الحرب»، وكذلك السيناريوهات المتوقعة لمرحلة «ما بعد الحرب».

وفى البداية، أوضحت «د. أميرة»، أن «الأحداث الداخلية في إثيوبيا، تسارعت في أعقاب لجوء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الرابع من نوفمبر الماضي إلى استخدام القوة ضد قادة الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، وقيام جيش الدفاع الوطني الإثيوبي بعمليات عسكرية داخل إقليم التيجراي.

وتصديق البرلمان الإثيوبي على هذه التحركات، التي صاحبها العديد من السياسات المناهضة لقومية التيجراي في داخل وخارج إثيوبيا، حيث أثارت هذه التطورات مجموعة من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء الإثيوبي للاعتماد على الخيار العسكري دون غيره من الخيارات السلمية الأخرى.

وعدم تجاوبه مع المناشدات الدولية المطالبة له بالامتناع عن استخدام القوة داخل إقليم رئيسي داخل الدولة، وما هي السيناريوهات المتوقعة من جراء التصعيد العسكري داخل الإقليم على الاستقرار الداخلي في إثيوبيا، وما يعكسه هذا التحرك العسكري على القوميات الأخرى المشكلة للدولة الإثيوبية، خاصة في ظل نظام الفيدرالية العرقية الذي يقره الدستور الإثيوبي لعام 1994.

والذي يعطى القوميات حق تقرير المصير والانفصال عن الدولة الإثيوبية وفقا لشروط محددة. وكذلك ما يمكن أن تسفر عنه هذه الأزمة من نتائج وخيمة على الاستقرار والأمن في الدول المجاورة، وإقليم شرق أفريقيا بأكمله.

الأسباب الأربعة.. وقود «الحرب القاسية»
وحول رؤيتها للأسباب التي أدت جميعها إلى الوصول إلى «قرار الحرب»، كشفت الدراسة أنه هناك أربعة أسباب يمكن أن تفسر تفاقم الأزمة بين الحكومة الاتحادية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، منها «مساءلة النظام الحاكم السابق»، حيث أنه  منذ وصوله إلى السلطة في أبريل 2018 تصاعدت الخلافات بين رئيس الوزراء آبي أحمد ونظرائه في النظام السابق من التيجراي.

وكانت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في قمة السلطة في إثيوبيا منذ نجاح الانقلاب الذي قادته بمشاركة عدد من الأحزاب الإثيوبية ضد نظام مانجستو الماركسي في عام 1991، ومنذ ذلك التاريخ ظلت الجبهة ومواليها من التيجراي يحتلون أهم المناصب في النظام السياسي.

وتابعت: مع وصول آبي أحمد للسلطة اتهم النظام السابق بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، كما أقال شخصيات بارزة في الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي من الحكومة الاتحادية، واشتكى قادة تيجراى من استهدافهم من دون وجه حق في إطار إجراءات قانونية تستهدف الفساد وإزاحتهم من المناصب العليا واستخدامهم الواسع "ككبش فداء" في المشكلات التي تواجه البلاد. تبع ذلك انفصال جبهة تحرير شعب تيجراى عن ائتلاف آبي الحاكم.

الانقلاب على «الفيدرالية» والحلم بـ«المركزية»
ولفتت «د.أميرة» النظر إلى أن السبب الثاني يمكن اختصاره تحت عنوان «محاولة العودة بالبلاد إلى المركزية بدلا من الفيدرالية العرقية»، مشيرة إلى رفض قادة الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي الانضمام إلى حزب الازدهار(PP) الذي أسسه الرئيس آبي أحمد في ديسمبر 2019 بهدف دمج الأحزاب العرقية التي شكلت ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (EPRDF) الحاكم، حيث جاء هذا الحزب كمحاولة من آبي لإبعاد البلاد عن سياسات الفيدرالية العرقية.

وثالث الأسباب، بحسب الدراسة ذاتها، يتمثل فى  «إجراء الانتخابات في إقليم التيجراي في تحدى لإرادة الحكومة الاتحادية»، حيث شهدت الأشهر السابقة على بدء الأزمة عددا من التطورات المتلاحقة في علاقة الإقليم بالحكومة الفيدرالية.

كان أبرزها اعتراض سلطة الإقليم على تأجيل الانتخابات الوطنية حتى العام المقبل بعد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، حيث أجرى الإقليم اقتراع محلي في سبتمبر 2020 وصفته الحكومة الفيدرالية بأنه «غير قانوني»، وكان رئيس مجلس الشيوخ بالبرلمان، وهو من تيجراي، قد استقال في يونيو الماضي أيضا احتجاجا على تأجيل الحكومة الفيدرالية للانتخابات بسبب الوباء، وفى الأول من أكتوبر قررت الحكومة الاتحادية قطع العلاقات مع إقليم تيجراي، وصوت مجلس الشيوخ على تعليق التمويل الحكومي الموجه إلى ميزانية الإقليم.

حرب «تقليم أظافر التيجراى»
أما رابع الأسباب فحددته الدراسة بـ«محاولة إضعاف القدرات العسكرية لقومية التيجراي»، وقالت: يستحوذ إقليم التيجراي على جزء كبير من أسلحة وقوات الجيش الوطني الإثيوبي. ويقدر بعض الباحثين هذه القوات بنحو نصف قوة الجيش الإثيوبي، حيث تعود قوة هذا الاقليم إلى إرث الحرب الحدودية بين إثيوبيا واريتريا (1998-2000).

كما عملت الحكومة الاتحادية على تطوير إقليم التيجراي خلال العقود الثلاثة التي هيمنت خلالها قومية التيجراي على السلطة في البلاد، ويبدو أن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الاثيوبية تطبيقا لقرارات آبي أحمد وبعد إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في الإقليم، تأتي في إطار محاولة كسر السيطرة التيجراية على القوات المسلحة الإثيوبية.
الجريدة الرسمية