رئيس التحرير
عصام كامل

السوشيال ميديا غموض بكل وضوح

قد نكون جميعنا مررنا بوسائل الاتصال القديمة، التي كانت تتيح التواصل بين الأصدقاء أو أفراد العائلة أو في مجال العمل والتجارة عبر المسافات والدول المتمثلة في الهاتف أو الرسائل المكتوبة "البريد" أو الشرائط المسجلة أو الفاكس، مما كان يخلق مسافة أكبر من الزمن في الانتظار وسرعة الاستجابة والتواصل .


ما بين اختراع الهاتف عام 1890 للاستخدام الشخصي وحتى اختراع الكمبيوتر عام 1940 للاستخدام الحكومي فقط، سنوات احتل فيه الهاتف النصيب الأكبر لنقل المعلومات والتواصل .

إلى أن تم اختراع Internet الإنترنت وهي "شبكة ربط بين الكمبيوترات" عام 1960 ، واقتصر استخدامها على حكومات الدول أيضا، وكما هو معتاد فقد أتاحت الحكومات استخدام الإنترنت لشعوبها بعد وضع أنظمة حماية وعدم اختراق للمعلومات، وبرامج رقابة وتتبع لما ينقل أو يكتب أو ينشر على ذلك الإخطبوط المسمى "internet " ، فقد دخل الإنترنت الشركات "بشكل أكثر اتساعا" والبيوت عام 1980 ، وظهر بالتبعية ما يسمى mail "البريد الإلكتروني" و chat "الدردشة" كوسيلة سريعة للتواصل في مجال العمل الدولي والتواصل الشخصي، توفيرا للوقت ولسرعة الاستجابة والرد والإنجاز وطبعا التواصل .

في عام 1999 ظهرت ما تسمى The Blog أو المدونة كنوع من تحميل الملف الشخصي وتكوين صدقات للمهتمين بمحتوى المدونة  من شعر، طهي، أخبار، مقالات ..الخ، في عام 2000 بدأ ظهور Wibsites "المواقع الالكترونية" مثل my space  وموقع linkedin ، كما ظهر موقع flicker الذي سهل مشاركة الصور على المواقع .
كما ظهر موقع  Facebook عام 2004 كشبكة مفتوحة لجميع طلاب الجامعات والمدارس الثانوية بها ملايين المستخدمين، اتبعه ظهور youtube عام 2005  ، حيث أتاح نشر مقاطع وأفلام وبرامج ولقاءات تلفزيونية مصورة لأول مرة عبر شبكة الانترنت، ثم ظهر twitter في عام 2006 .

البيوت حواديت فيها الأصيل وفيها الوضيع

يسمح  facebook و twitter  للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم البعض، من خلال إضافة الآخرين لقوائم جهات الاتصال المرئية، ويمكن إنشاء مجموعات قائمة على مشاركة نفس الاهتمامات، من أجل إجراء الاتصالات مع الأصدقاء أو العائلة أو زملاء الدراسة، لأغراض اجتماعية بحتة، لكن إتسع مداها وأصبحت تلك المواقع تستخدم لأغراض تجارية للشركات العالمية أو حتى العمل الشخصي والحرف أيضا، بل وأصبحت وسيلة سياسية تستخدم من قبل القادة والمسؤولين ليصلوا ويوصلوا أفكارهم وخططهم وإنجازاتهم لأكبر عدد من المتابعين والمهتمين والمعنيين بالتوجيه الخطاب السياسي المباشر، ووسيلة ضغط الشعوب على الحكومات بإعلان الرفض أو الدعم أو الشجب أو المقاطعة أو التضامن، وأيضا يستخدمها الأفراد رغبة منهم في معرفة الأخبار العالمية، وتخطي الحجب والتعتيم الداخلي للاحداث الداخلية والعالمية .

مما لاشك فيه إن السوشيال ميديا فتحت آفاق جديدة للتعارف والتواصل الاجتماعي ولكن بأبعاد مختلفة، وبفكر جديد، وتفاعل غير تقليدي ..

فهناك من أذابت السوشيال ميديا بينهم المسافات ، فنجد علاقات صداقة وحب وزواج وعمل نشأت بين غرباء أصبحوا أصدقاء على السوشيال ميديا، وأصبح غريب المسافة هو صديق الكتروني، يجمعهم التفاهم والميول الفكرية والسياسية أو طموحات العمل وحب السفر .

وهناك من خلقت السوشيال ميديا بينهم المسافات، فهناك أقارب أو أصدقاء في العالم الواقع "زمالة دراسة أو جيرة أو عمل" كانت العلاقات بينهم سطحية دون التطرق للمباديء والأفكار والاتجاهات السياسية، فبعد أن أصبح كل من رواد الشاشة الزرقاء يكتب عما بداخله بأريحية من فكر ومباديء ومشاعر وتأييد أو رفض لمواقف وشخصيات عامة، مما بلور شخصية هؤلاء الواقعين، فاتضحت هوة الاختلاف بينهم، وخلقت مسافات جعلت الحجب والحظر " block " وسيلة سهلة وفعالة للتعبير عن الرفض لتلك الشخصيات الواقعية ولكن في العالم الافتراضي .

صاحب السعادة

لو أردنا طرح نبذة عن ايجابيات السوشيال ميديا ، لكانت هي تعارفنا على شخصيات الكترونية تنبض ود وفكر ومعرفة وانسانية، قد شح منها العالم الواقعي ليومياتنا، الذي مليء بشخصيات فرضت علينا بسبب عائلي أو وظيفي أو مجتمعي أو دراسي .

كما أن هناك من كشفت السوشيال ميديا عورة فكره، فنصطدم بأفكاره الفاشية والسادية للتعبير عن حب الوطن والانتماء والولاء، وجهله الديني الذي  يحرف الدين بدعوة تجديد الخطاب الديني، وسطحية فكره الذي يرفض الآخر ويسفه رأيه، مما يجعل الكثيرين يحاربون فقط من أجل ترسيخ معنى حرية الرأي والحرية، التي تكمن في عدم الاباحية أو تهميش الآخر أو التنمر أو العنصرية .

وهناك أيضا من سترت رقة قلبه السوشيال ميديا، فكم حكم علينا العالم الواقعي بقيوده من عرف وعادات وتقاليد، بألا نفصح عن مكنون أحاسيسنا، وصرخة نبض قلوبنا بأننا نحب، فنكتب الخواطر والشعر، وننثر كلمات العشق دون خوف من حكم الاخرين، ودون الخجل من جلد المجتمع، ودون رهبة الإفصاح عن المشاعر .

على الرغم أن السوشيال ميديا عالم موازي للواقعية، ولكنه أكثر وضوحا، وأقل اصطناعا، وإن كان يغلفه الغموض لأنه يجمع بين الأغراب، فلم يعتاده رواده من المجتمع الشرقي بعد، فمازال الكثير من مستخدميه يتجنبون المحاسبة المجتمعية من مجتمع سلطوي بطبعه، فيؤثرون الصمت أو العزوف عن طرح رأيهم، من تأييد أو رفض، من حب أو بغض، خيفة النبذ أو الحذف أو الصدام .

على السوشيال ميديا نتحاور ونتجادل ونتناقش لإيصال ما نؤمن به من أفكار، بأكبر قدر من الوضوح الذي نفتقده في عالمنا الواقعي، دون رهبة التهميش، ودون الخوف من الملامة أو الخسارة، نتواصل بشيء من المجاملات التي لا يسكنها المصالح، ونتلاقى على فطرة الود الانساني البعيدة عن الطائفية أو الخلفية الدينية وخريطة الانتماءات وتصنيفات الولاء، بعكس عالمنا الواقعي الذي نتواصل فيه بأكبر قدر من الغموض للإبقاء على علاقات ضاغطة وقرب مجبرين عليه، فقط لأنه عالم واقعي لا نعيش فيه بشخصياتنا الحقيقة، إن جاز التعبير .
الجريدة الرسمية