رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء طلعت مسلم قائد اللواء 18 مشاة ميكانيكى في حرب أكتوبر: البطولات الشعبية بعد 67 فتحت الطريق للحرب والنصر ( حوار )

اللواء طلعت مسلم
اللواء طلعت مسلم
المرأة البدوية كانت حلقة الوصل بين قيادات الجيش في القاهرة والجنود على الجبهات

شعب عظيم لا يعرف المستحيل، استطاع بأخلاقه وقيمه وأصوله العريقة أن يمنح لنصر أكتوبر الدعم النفسي والوطني من خلال بطولات شعبية تضاهي ما تحكي عنه الأساطير، مستمدين قوتهم من أجدادهم الفراعنة الذين استطاعوا تشييد الحضارة قبل أن يعرف البشر معنى الحضارة، وأثبتوا للعالم أن مصر الحضارة لا تنكسر ولا تموت.


اعترف وزير دفاع إسرائيل، خلال الفترة بين عامى 1967-1973، موشيه ديان، في مذكراته، بأن الشارع المصرى كان هو السبب وراء الحرب التي ألحقت هزيمة محققة بإسرائيل، وأن عدم فقدانه الثقة بنفسه وقدرته على النضال ضد إسرائيل كان هو الدافع الحقيقى وراء استئناف الحرب، وأقر بأن ردة فعل الشعب المصرى إزاء القيادة السياسية المصرية بعد هزيمة حرب الأيام الستة وتمسك الشارع المصرى ببقاء الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، أصاب إسرائيل بصدمة كبرى.

للتعرف على شواهد وملامح الدور الشعبي في حرب أكتوبر، أجرت "فيتو" حوارا مع اللواء أركان حرب «طلعت مسلم» قائد اللواء 18 مشاة ميكانيكى في حرب أكتوبر ، والى التفاصيل :


*في رأيك.. ما دور البطولات والمقاومة الشعبية في حرب أكتوبر؟

البطولات الشعبية التي بدأت منذ زمن الهزيمة وقادت إلى النصر لا تحصي ولا تعد، سواء كانت تلك التحركات من قبل أهالي مصر بصفة عامة أو أهالي بورسعيد والسويس وسيناء بصفة خاصة، وذلك خلال الفترة ما بين 1967 و1973، فقد كان للمقاومة الشعبية دور كبير في فتح الطريق للحرب والنصر وتدعيم مواقفه وتثبيت أقدام جنوده.

وكشفت عنه الكثير من كتب التاريخ، وساهمت في إرباك العدو وتكبيده خسائر فادحة، فعلي سبيل المثال لا الحصر معركة السويس في 24 أكتوبر 1973 ثغرة الدفرسوار عكست بطولة أهالي السويس، عندما غدر العدو الإسرائيلي بخرق قرار وقف إطلاق النار بشنه قصفا جويا وفرضه حصارا شاملا على المدينة، خلال فترة تطوير الجيش لهجومه جهة الشرق لتخفيف الضغط على الجيش السوري في الجولان.

فاستغل العدو عدم وجود احتياطات كافية في الجانب المصري ووجود ثغرة الدفرسوار بين الجيشين الثاني والثالث وتمكنوا من العبور ودمروا اللواء 16 مشاه، فاكتظت مساجد المدينة بالمصلين وألهب حماسهم الشيوخ وجهزت المقاومة الشعبية كمينا لقوات العدو ليتفاجأ بقذائف الـ آر بي جي تنهمر عليه من كل مكان، كما تعامل رجال المقاومة الشعبية بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدويةـ، وأجبروا جنود العدو على الهرب والاحتماء بالمباني المحيطة ، وتم قتل الكثير منهم وتركوا دبابتهم وآلياتهم وأسلحتهم،كما كان للفدائيين في سيناء وبورسعيد دور كبير في إرباك العدو وتوصيل الدعم والأسلحة للجنود في الحرب.

والتعرف على تحركات العدو وتبليغها للجهات الحربية ونقل الرسائل من جنود الجبهة للقيادات، في بطولات سطرت صفحات في كتب التاريخ لم يستطيع أحد حصرها، لشعب قرر الدفاع عن وطنه وطالب بفتح باب التطوع للالتحاق بالجيش لخوض حرب التحرير، والتبرع بالدم لإنقاذ المصابين في المعركة، والعمل التطوعي في الهلال الأحمر.

*ما دور المصريين في رفع الروح المعنوية للجنود؟

خروج الطلاب في مظاهرات تطالب باسترداد الأراضي المصرية المحتلة، وكانت أسلحتهم الخاصة الأعلام المصرية والطواف بها في الشوارع، وإطلاق الهتافات الحماسية للجنود وتأليف أغان وطنية، كما كان الشعب المصرى على مستوى عال من الثبات الانفعالي لم يسيطر عليه أي نوع من أنواع الخوف خلال حرب أكتوبر، وكانت كل فئات الشعب تمارس حياتها الطبيعية تحت القصف دون أي قلق.

*هل ساعد الشعب المصري على دعم الحرب اجتماعيا.. وكيف تعامل مع المسئولية الاجتماعية الملقاة على أعناقه؟

انخفضت معدلات الجريمة بشكل كبير، فمن المعروف عن الشعب المصري أن لديه مستوى عاليا من الإحساس بالمسئولية، كما أن ظروف الحرب نمت لديه الحس الوطني بالخجل من ارتكاب الجرائم في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد، وضرورة تجميد الخلافات الشخصية والتسامح وإعلاء المصلحة العامة للدولة، في حين أنه قد يري تلك الجرائم طبيعية في الأوقات العادية.

مؤشرات الجريمة أثناء الحرب أكدت أن السجلات الأمنية كادت أن تخلو من الجرائم الجنائية واختفت المحاضر من أقسام الشرطة، فطبقا للسجلات الأمنية عام 1973 تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى، وجرائم النشل اليومية وجرائم القتل والشروع فيه والجرائم السياسية والجنائية، معظم اللصوص والبلطجية في هذه الفترة كانوا ينضمون للمقاومة الشعبية، وشكلوا جبهة مقاومة قوية وكبدو العدو خسائر فادحة، فقد تعاملوا معهم بطريقة حرب العصابات التي تشبه حروب الشوارع.

*كيف ساعد الشعب المصري على دعم الحرب اقتصاديا؟

بعد نكسة 1967 أصيبت مصر بانتكاسة كبيرة اقتصاديا بسبب انخفاض موارد العملات الأجنبية ووقف المعونات الخارجية وتدهور السياحة ومصادر العملة الصعبة وفقدت الدولة آبار البترول في سيناء، وهنا ظهرت القوة الشعبية في مواجهة تلك التحديات الاقتصادية باتباع خطة تقشف لتستطيع الدولة تحمل أعباء الإنفاق العسكري استعدادا للحرب، حاول المصريون تقليص إنفاقهم والاستغناء عن كل السلع الترفيهية بل وبعض من السلع الأساسية والخدمات.

في الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة في حرب قتالية مع العدو كان الشعب المصري في حرب إنتاج داخلية، استطاع من خلالها توفير احتياجات الجيش واحتياجات الجمهور الخاصة، ولم يتغيب عامل عن شركته أو مصنعه ولم يحصل عامل على إجازة.

طرحت الحكومة المصرية "سندات الجهاد"، هدفها دعم الدولة والقوات المسلحة، وتم طرحها للمواطنين تحت شعار "شارك في ملحمة النضال الوطني" وبعد ذلك جعلت الحكومة الاكتتاب في "سندات الجهاد" إجبارى، باستثناء محدودى الدخل من المواطنين، ولم تكن "سندات الجهاد" هي المشاركة الوحيدة للمواطنين في دعم القوات المسلحة، حيث أعلنت وزارة المالية زيادة الإيرادات الضريبية بمصلحة الضرائب بواقع 23.5 مليون جنيه عام 1972، وهو ما أرجعته الوزارة إلى إقبال المواطنين على دفع المستحقات الضريبية الخاصة بهم بدافع الوطنية.


*المرأة المصرية تظهر وقت الشدة.. كيف كان دورها أثناء الحرب؟

دور المرأة المصرية بصفة عامة كان واضحا في الملحمة الوطنية وبالأخص السيدة البدوية، فقد كانت حلقة الوصل بين قيادات الجيش المصرى في القاهرة والجنود على الجبهات، وتمكنت من نقل رسائل ومعلومات سرية للجنود خلال فترة الحرب وحافظت على الأسرار ولم تكشفها للغرباء، وساعدت في توصيل الأسلحة والمستلزمات العسكرية للجنود المصريين، كما كان الكثير منهن متطوعات في صفوف الهلال الأحمر وشاركن في إسعاف المصابين في الحرب والتبرع بالدم في كافة المحافظات، وعلي رأسهن الحكيمة إصلاح محمد والفلاحة فايدة وفرحانة سلامة والسيدة فهيمة وغيرهم.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية