رئيس التحرير
عصام كامل

نصر أكتوبر في عيون الأدباء.. نجيب محفوظ: فاق كل الأفراح.. والحكيم: عبرنا الهزيمة

نصر أكتوبر المجيد
نصر أكتوبر المجيد
تحل اليوم الثلاثاء 6 أكتوبر الجاري، الذكرى ال47 على نصر أكتوبر المجيد، الذي كتبته دماء المصريين على رمال سيناء بأحرف من نور، وسطر فيه الجيش المصري إحدى أروع صفحات التضحية والإرادة على مدار تاريخه الحافل. 


نصر أعاد أرض الفيروز، واسترد الكرامة والعزة التي سلبت عقب نكسة 1967، ليكتب تاريخا جديدا في عمر الأمة المصرية والعربية، مطويا سنوات الانكسار والهزيمة إلى غير رجعة. 

أطلقت حرب أكتوبر المجيدة، أفكار وأقلام كبار الأدباء والكتاب إلى السماء ليمعن كل منهم النظر محاولا أن يصف بكلماته جانبا من النصر والعبور، و مجسدا حال الأمة في تلك الفترة.


نجيب محفوظ 
في شهر أكتوبر من عام 1998 كتب الأديب العالمي نجيب محفوظ مقالا في جريدة الأهرام تزامنا مع العيد الفضي للنصر المجيد تذكر فيه يوم النصر قائلا: "كنت جالسا على مكتبي في يوم السادس من أكتوبر وجائتني مكالمة تليفونية من الدكتور ثروت عكاشة يقول (عبرنا القنال وقواتنا تشتبك الآن مع العدو في الضفة الشرقية)، رميت القلم من يدي ونهضت من على مكتبى تاركا القصة التي كنت بدأت في كتابتها، فلم يكن يخطر ببالى في أكثر لحظات انطلاق الخيال أن نتمكن من عبور القناة بهذا الشكل، قد كان الاعتقاد السائد أنه من رابع المستحيلات تخطى خط بارليف الترابي الذي لا يمكن أن تخترقه القنابل ذاتها".


وتابع محفوظ: "لذلك كانت الفترة التي عشتها من يوم 5 يونيو 1967 إلى 6 أكتوبر 1973 من أسوأ فترات حياتى، كنت أعايش فيها حالة الاكتئاب القومى الذي اكتنفنا بسبب الشعور بالإهانة والقنوط دون وجود أي طريق للخلاص.. إننى للوهلة الأولى لم أصدق، لكنى بعد أن سمعت الخبر في إحدى الإذاعات الأجنبية حتى قفزت من الفرح فهذا هو أسعد يوم في حياتى وحين أقارنه بفرحتى عند الفوز بجائزة نوبل أجد أن فرحة أكتوبر فاقت كل الأفراح.. وطوال فترة الحرب كنت في حالة من الانفعال لم أكن أستطيع معها النوم، فقد كنت أخشى أن تتطور الحرب إلى غير ما نشتهيه".




وواصل محفوظ سرد قصته مع نصر أكتوبر بالقول: "الحقيقة أن الذي صنع نصر أكتوبر كان أولا شيئا داخليا ظل سنوات يكتمل في نفس المصريين والعسكريين بالحاجة إلى رأب الصدع الذي أحدثته الهزيمة في النفوس.. والشيء الثاني هو مساعدة السوفييت لنا، ثم تأتى حرب الاستنزاف التي وفرت ساحة للتدريب لجيوشنا، ولقد ظلمت حرب الاستنزاف في حينها لأننا كنا نعتبرها للاستهلاك المحلى، وكنت أنا شخصيا أعتبرها كلاما فارغا".


توفيق الحكيم 
أما الأديب والمفكر توفيق الحكيم فوصف نصر أكتوبر المجيد قائلا: "عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة، فيها المعنى: أن مصر هى دائما مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلا فإن لها هبة، ولها زمجرة ثم قيام. وقد هبت مصر قليلا وزمجرت ليدرك العالم.. ما تستطيع أن تفعل فى لحظة من اللحظات، فلا ينخدع أحد فى هدوئها وسكونها. وكانت يدها التى بدرت منها حركة اليقظة هى جيشها المقدام بصيحة رئيسها الوطنى بالقيام. سوف تذكر مصر فى تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر".

وتابع: "نعم، عبرنا الهزيمة فى الروح، وشعرنا أنه قد حدث ويحدث فى داخلنا شئ. لقد كان جو الهزيمة جو سجن واختناق. والآن نحن نتنفس هواء نقيا، هواء الحرية والانطلاق، وهذا هو المعنى الحقيقى للانتصار، أنه ليس فى مجرد كسب المعرفة الحربية، بل هو فيما يحدث فى النفوس بعدها ونتيجة لها".




وأوضح الحكيم مكاسب النصر قائلا: "إن الكسب الحقيقى للمعارك الحربية إنما هو فى نوع الجهاد ودرجة البسالة وروح البطولة، وليس فى مجرد الكسب المادى المعتمد على المعدات والآلات. وكسبنا الباقى لنا دائما بعد اليوم هو فى الروح التي انطلقت عن سجن الإحساس بالهزيمة، هزيمة النفس التى لم تقاوم ولم تجاهد، روحنا المنطلقة اليوم بعد جهادها البطولي هى التى سوف تتجلى غدا فى الأعمال الرائعة التى ينتجها الفكر المصرى فى مجالاته العديدة".

يوسف السباعي
فيما أكد الكاتب يوسف السباعي في تصريحات له بعد نصر أكتوبر المجيد قائلا: "منذ السادس من أكتوبر تغير إيقاع الحياة و نبضها من حولنا بعد أن عبرت قواتنا المسلحة إلى سيناء فقد عبرت إلى آفاق المستقبل و خلفت وراءها كل ظلام اليأس و التمزق و الهزيمة و راحت ترسم خريطة جديدة للتاريخ العربي الحديث".





نزار قباني 
أما شاعر الحب نزار قباني فوصف بكلمات جسدت حالة الأمة العربية قبل نصر أكتوبر قائلا: "قبل السادس من أكتوبر 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة وقبيحة، كانت عيناي مغارتين تقشش فيهما الوطاويط والعناكب، وكان فمي خليجا مليئا بحطام المراكب الغارقة، وكانت علامتي الغارقة المسجلة في جواز سفري هي أنني أحمل على جبيني ندبة عميقة اسمها يونيو، أما عمري في جواز سفري القديم، فقد كان مشطوبا لأن العالم كان يعتبرني بلا عمر".




وعقب النصر قال "قباني": " اليوم (6 أكتوبر 1973) يبدأ عمري، واليوم فقط، ذهبت إلي مديرية الأحوال المدنية، وأريتهم صك ولادتي التي حدثت في مستشفى عسكري نقال، يتحرك مع المقاتلين في سيناء والجولان، فاعتبروني طفلا شرعيا، وسجلوني في دفتر مواليد الوطن، لا تستغربوا كلامي، فأنا ولدت تحت الطوافات، والجسور العائمة التي علقها مهندسو الجيش المصري علي كتف الضفة الشرقية وخرجت من أسنان المجنزرات السورية التي كانت تقرقش الصخور في مرتفعات الجولان، اعترف لكم بأن ولادتي كانت صعبة".
الجريدة الرسمية