رئيس التحرير
عصام كامل

خريطة «إشبيلية».. مقبرة أطماع أردوغان في «غاز المتوسط».. أوروبا تستكمل مسيرة حصار «ديكتاتور أنقرة».. والحل في يد القاهرة

أردوغان رئيس تركيا
أردوغان رئيس تركيا
«استفزاز مستمر.. والغاز كلمة السر».. من هنا يمكن المضي قدمًا للحديث عن الاستفزازات التي تقوم بها تركيا ضد جيرانها في المتوسط، بسبب عمليات التنقيب عن الغاز في المياه التابعة لليونان وقبرص، تحت مزاعم أن عمليات الحفر والتنقيب تجري للبحث عن مصادر للطاقة داخل جرفها القاري، لتستمر الخلافات بشأن امتداد الجرف القاري لكل منهما في شرق المتوسط. 


خريطة إشبيلية

وتزامنًا مع التحركات التركية أشعلت خريطة «إشبيلية» خلال الأسابيع الأخيرة غضب أنقرة، وهي خريطة تتعلق بمناطق السيادة البحرية في شرق المتوسط، وتعطي لليونان أفضلية في بحر إيجة، ما اضطر أنقرة إلى محاولة حشد رفض دولي للخريطة، والتي تخشى مساندة الاتحاد الأوروبي لما ورد فيها، بما يقوض من أطماعها في المتوسط، وفي الوقت ذاته ينسف طموحات أردوغان في نهب ثروات جيرانه من ثروات الغاز الكامنة في البحار.

الخريطة أعدها أستاذ بجامعة إشبيلية الإسبانية يدعى خوان لويس سواريز دي فيفيرو عام 2004، ضمن دراسة بعنوان «أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد.. آفاق جيوسياسية»، وركزت على احتمالية انضمام دول مثل رومانيا وبلغاريا وكرواتيا وتركيا إلى عضوية الاتحاد على الوضع البحري للتكتل الأوروبي، وبموجبها تحصل الجزر اليونانية على مناطق اقتصادية واسعة خالصة، وتبقي تركيا محصورة في سواحلها.

ما يزيد من قلق تركيا امتلاك اليونان لقرابة 4 آلاف جزيرة في بحر إيجة فقط، بما يمنحها إمكانية الاستحواذ على مساحة واسعة من الجرف القاري والمياه الإقليمية لكل جزيرة على حدة، بما يشكل في النهاية حدودًا للاتحاد الأوروبي، الذي يستفيد بدوره من المنطقة الاقتصادية الواسعة في تلك المنطقة.

تحركات تركية

في المقابل.. تحركت تركيا عبر عدة مسارات في محاولة إلغاء فكرة اللجوء لتلك الخريطة واستخدامها في النزاع على مناطق السيادة، عبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي زعم أن التمسك بالخريطة لن يؤدي لحل المشكلات، حتى وإن وجدت مباحثات.

كما حاولت تركيا الحصول على موقف أمريكي غير حاسم عبر سفير واشنطن بأنقرة، بأن استخدام الخريطة غير ذي أهمية قانونية وتتصاعد المخاوف التركية لوضعها في الاعتبار تكليف المفوضية الأوروبية بذاتها جامعة إشبيلية لعمل الدراسة الخاصة بالتخطيط للمجال البحري الأوروبي، بما يمكنها من استغلال طاقة الرياح والتوسع في مزارع الأسماك بالبحار، وتطوير الأماكن السياحية.

بما يجعل تحويل مناطق السيادة على الخريطة إلى أرض الواقع فائدة عظمى ونفعا كبيرا سيعود على الاتحاد الأوروبي بشكل عام وعلى الدول صاحبة السيادة بشكل خاص، بما يكفل وجود تكتل كبير بحجم الاتحاد الأوروبي في مواجهة أنقرة التي استطاعت - بسبب سياسات أردوغان الطائشة - كسب عداء جيرانها في المتوسط.

ورطة أنقرة

كما يزيد من تعقيد الأمر بالنسبة لتركيا، استخدام الخريطة ذاتها والتي نشرت في عام 2007، ضمن دراسة بعنوان «أطلس أوروبا البحرية: الولاية القضائية، والاستخدامات والإدارة»، في مشروع أنفق عليه الاتحاد الأوروبي مبالغ طائلة بإشراف من المجلس الإسباني الوطني للبحوث.

إلا أن تركيا لجأت لبعض المسئولين من حلفائها في الاتحاد الأوروبي لاستصدار تصريحات إعلامية غير معبرة عن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، تزعم أن الاتحاد لا يعتبر الخريطة وثيقة رسمية وتمنح الخريطة لقبرص السيطرة على مناطق سيادة واسعة من البحر المتوسط، بما دفعها للتلويح أيضًا بالتحرك نحو استخدامها في خلافاتهما، في وقت تتواصل فيه الاستفزازات التركية، بالتصرف بشكل أحادي في البحر المتوسط، كما أنها لا تدفع للقبارصة الأتراك أي عائدات من استغلال أراضيهم، وتسعى لتثبيت تقسيم قبرص بشكل دائم.

أوروبا تتصدى

في المقابل، أعلن رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، من نيقوسيا، عن التزام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن حقوق قبرص في خلافها مع تركيا حول حقوق التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، كما أكد المفوض الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والأمن جوزيب بوريل، للوقف الفوري، لأنشطتها للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، موضحًا أن تحركات تؤجج التوتر وانعدام الأمن، وتقويض الجهود لاستئناف الحوار والمفاوضات.

وأعرب حلف شمال الأطلسي «الناتو»، عن دعمه للمحادثات التقنية العسكرية بين تركيا واليونان، مؤكدًا أنها تستهدف تقليل الصدامات في المتوسط وأحرزت تقدمًا، كما أعلنت وزارة الخارجية اليونانية، أنها اتفقت مع تركيا على استئناف المحادثات الاستكشافية بينهما في إسطنبول في المستقبل القريب.

فيما أكدت تركيا أنه لم يتم تحديد مكان انعقاد المباحثات المباشرة بين تركيا واليونان ووصلت المخاوف التركية إلى حد تسليم البعض بالتأثير الكبير الذي من الممكن أن يلحق بتركيا في حال تحرك الاتحاد الأوروبي لمنح قبرص واليونان السيطرة على المناطق الواردة بخريطة إشبيلية.

الحل المصري

فدعا رئيس حزب المستقبل التركي أحمد داوود أوغلو، إلى ضرورة إبرام اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة بين أنقرة والقاهرة، موضحًا أنه «على أردوغان الاتفاق مع مصر كونها أهم دولة في المتوسط، من أجل مواجهة التداعيات المحتملة لتطبيق مناطق السيادة الواردة بخريطة إشبيلية».

ومع توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط على الميثاق الخاص بالمنتدى، والذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعى وتحقق استغلالًا امثلًا لموارده، ومقرها مصر، ينتظر أن يلعب المنتدى دورًا هامًا في حل خلافات دول المتوسط حول مناطق التنقيب عن الغاز.

وفى هذا السياق قال الباحث في الشأن التركي محمد ربيع الديهي: إن تاريخ ظهور خريطة إشبيلية، يعود إلى عام 2004 حينما كلفت المفوضية الأوروبية جامعة إشبيلية بإنجاز دراسة حول المجال البحري الأوروبي، إذ باشر الاتحاد في إجراء دراسات للتخطيط للمجال البحري الأوروبي.

وذلك للإجابة على بعض الإشكالات المرتبطة بالمياه والبيئة من قبيل إقامة محطات لطاقة الريح ومزارع الأسماك في البحر، وتطوير مناطق سياحية، بالفعل تم ظهور الخريطة ضمن الدراسة التي تم اعدادها تحت عنوان «أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد: آفاق جيوسياسية».

تركيا واليونان

وأضاف الباحث في الشأن التركي، أن خريطة إشبيلية تعد محورا أساسيا في الخلاف والنزاع الأساسي بين تركيا واليونان وقبرص؛ فتطبيق خريطة إشبيلية سوف يعطي لليونان جرفا قاريا بمساحة 40 ألف كيلومتر مربع، وبذلك سوف تفقد تركيا أي سيطرة أو عمق بحري في إيجة أو شرق المتوسط، وهو ما تعتبره أنقرة مخالفًا للقانون الدولي.

كما تمنح الخريطة لكل جزيرة من الجزر اليونانية الكثيرة مهما كان صغر حجمها، مثل كاستيلوريزو (ميس) منطقة اقتصادية خالصة بطول 200 عقدة بحرية (370 كلم)، وهو ما يعني أن الجانب التركي سوف يكون محصورا داخل سواحله فقط، إذ تمتلك اليونان قرابة 4 آلاف جزيرة في بحر إيجة وحده.

والجدير بالذكر هنا أن هذه الخريطة يستخدمها الاتحاد الأوروبي في وثائقه الرسمية ومواقعه الإلكتروني.

وتابع: في الواقع الخريطة يتم تداولها من قبل الاتحاد الأوروبي وتظهر في الموقع الإلكتروني للاتحاد، فضلا عن أنه تم استعمال الخريطة نفسها في مشروع يموله الاتحاد الأوروبي، ويشرف عليها المجلس الإسباني الوطني للبحوث. ولكن برغم استخدام الاتحاد الأوروبي لها إلا أنها لا تحظى باعتراف الأمم المتحدة فتلك المنطقة لم يكن قد تم ترسيم الحدود البحرية به من قبل.

أضف إلى ذلك تصريح الاتحاد الأوروبي بأن خرجت من مسئولين بالاتحاد الأوروبي تشدد على أن التقارير والدراسات الخارجية التي تصدرها مؤسسات في دول الاتحاد ليست وثائق رسمية للاتحاد، وهو ما يعني أن الاتحاد لا يعتبر الخريطة وثيقة رسمية، في حين بينت السفارة الأمريكية بأنقرة أن واشنطن لا تعتقد بأن هناك أهمية قانونية لخريطة إشبيلية.

القانون الدولي

وهو ما يعني أن الشق القانوني للخريطة غير متواجد نظرا لفقدانها الاعتراف الدولي، لكن علينا أن نعرف أن هذه الخريطة هي عبارة عن دراسة للحدود البحرية لليونان وعليه إذا تم تطبيقها على أرض الواقع ستكون هي الفعلية حيث الانتشار الكثيف للجزر اليونانية سوف يكون بمثابة حائل أمام الطموح التركي في شرق المتوسط.

وأوضح «الديهي» أن «تركيا تأمل في أن يتم مخالفة اتفاقية الأمم المتحدة للبحار والتي تعطي الجزر حقوق مائية أو أن يتم إعطاء هذه الحقوق المائية للجزر الكبيرة في شرق المتوسط وعدم إعطاء الجزر الصغيرة أي حقوق مائية، فما يقلق أنقرة من هذه الخريطة كونها صحيحة وإذا وافقت على ترسيم حدود بحرية مع اليونان لن تختلف عن خريطة إشبيلية في شيء».

كما أشار إلى أنه «هناك مجموعة من الاحتمالات لموقف الاتحاد الأوروبي في القضية، فالاتحاد الأوروبي يرغب في تسوية الأزمة بين تركيا واليونان تخوفا من أن تجر تركيا العالم إلى حرب عالمية ثالثة؛ ولكن هناك دول كبري في الاتحاد الأوروبي سوف تعمل على دعم حقوق اليونان والتوصل إلى اتفاق يدعم حقوق اليونان ويحمي سيادتها.

ولكن سوف يظل الدعم الفرنسي أو غيره هو دعم سياسي في الأساس، إلا إذا استمر العناد التركي وحاولت أنقرة فرض أمر واقع بالقوة فهنا يمكننا الحديث عن دعم عسكري وعقوبات قوية على تركيا من الدول الأوروبية».

حل الأزمة

وأكمل: في الواقع لا يزال الحل السياسي والحوار هو السيناريو المتوقع لحل الأزمة، فتركيا لن تستطيع مواجهة دول كبرى، ولا تستطيع خسارة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وإن زادت من نبرتها في التصريحات، إلا أنها في النهاية سوف تخضع للتفاوض والحوار، لا سيما وأن النظام التركي الحالي يفتقد للشرعية الدولية.

وكذلك الشعبية بسبب سياساته الداخلية والخارجية، هذا فضلًا عن أن «أردوغان» سوف يسعى للتهدئة تخوفًا من فرض عقوبات قوية ما قد يجعله يفقد السلطة في تركيا في ظل رفض الشعب التركي لوجوده على مقعد الرئاسة.

أو سيناريو الوصول إلى حل عسكري يضعه في خيار صعب للغاية، لذلك فإن منطقة شرق المتوسط سوف تشهد تنافسا دوليا وحالة من الضغوط للتهدئة في الأزمة.

وكشف أن تركيا كانت قد عرضت ترسيم الحدود مع مصر من قبل وقت الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلا أن مصر رفضت مثل هذا الاقتراح، وعرضت مرة أخرى نفس المشروع عقب ثورة 2011 ومصر رفضت، لكن فكرة عرض مثل هذا المشروع لم تتم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لأن الرد المصري سوف يكون الرفض خاصة.

وأن القانون الدولي لا يعطي لتركيا أي حدود بحرية مع مصر، ومن هنا فالرد المصري سوف يكون بالرفض نظرا لاحترام مصر القانون الدولي والاتفاقيات، كما أن أنقرة تدرك أن القاهرة ملتزمة باتفاقيات مع اليونان وقبرص، وعليه فالقاهرة لن تضحي بعلاقاتها مع اليونان وقبرص في مقابل علاقات اتفاق مخالف للقانون الدولي مع تركيا، خاصة وأن القاهرة تدرك جيدا أن أنقرة تسعى لإشعال صراع في الإقليم.

وأنهى «الديهى» حديثه بقوله: لا شك أن تحويل منتدي شرق المتوسط إلى منظمة سوف يكسبها أهمية كبرى لدى الدول، ويعطي لها ثقلا سياسيا دوليا، ولذلك فمن المتوقع أن يلعب دورا كبيرا في تسوية أي خلاف قد ينشئ في شرق المتوسط، خاصة أنه يضم غالبية دول حوض شرق المتوسط.

ومن المتوقع أن ينضم إليه دول أخرى، كما توجد دول تطالب بالانضمام إلى المنظمة بصفة مراقب مثل فرنسا، فهذا الأمر يعني أن هذه المنظمة سوف يكون لها ثقل سياسي واقتصادي مهم وكبير للغاية.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية