رئيس التحرير
عصام كامل

أبا الزهراء.. شوقًا إلى نظرة

يا رسولَ اللهِ غوثًا ومدد.. يا رسولَ الله أنتَ المعتمد.. يا رسولَ اللهِ فرِّجْ كربَنا.. ما رآكَ الكربُ إلَّا وشرد.. سيدي يا رسولَ اللهِ، يا أجملُ مَنْ رأتْ عينٌ، وأكملُ مَنْ مشى على البسيطةِ.. وأكرمُ من سُئِلَ مِنْ إنسان.. وأرحمُ من أمٍّ بوليدها.. وأوعى من بلَّغ كلامَ اللهِ.. وأحبُّ خلقِ اللهِ إلى الله؛ إليك أزجي بالغَ اعتذاري، لاجترائي على مقامِ أشرفِ الخلقِ، ومخاطبته مباشرةً، بغير حائلٍ، وإن لم أعدم الوسيلة..

 

فوسيلتي إلى رحابك الطاهرة حبٌّ وعشقٌ لك ولآل بيتك الطيبين المطهرين المخلصين.. وكم من رسالاتِ وَلَهٍ رفعتُها إليك من رحابِهم، ومن تحتِ ظلالِهم الوارفةِ، التي تتسع لأمثالي من الخطائين التوابين.

 

حكاية الليبي الذى طردته أمه بسبب فيلم "الرسالة"

 
سيدي يارسول الله، يا من لا نؤملُ في رحمةِ اللهِ إلا بحبِّه، اغفر لي غياب التأدُّبِ في حضرتِك.. اغفرْ لي شكواي من قسوة العالمِ، وتردي حال المسلمين، وشظفِ الظروفِ، وجمودِ القلبِ، وتحجرِ المشاعرِ، مع أن مقتضى الحال يستوجبُ أن يلهج لساني بالحمدِ في ذروةِ الألمِ.


سيدي يا رسول الله؛ أعطني الأملَ في أن تغفرَ، وتسامحَ سعيَنا ودأبَنا في طلبِ الدنيا، والمال، والجاهِ، والشهرةِ، وضعفنا الشديد أمامَ سطوةِ الشهوات، رغم أنك حذرتَنا، فلم ننتبه، ونصحتنا فلم ننتصحْ، واستسلمنا، ورضخنا، وأتوقع أننا لن نسلَمَ من ربقةِ احتلالِ الدارِ الفانية، وسيطرتها على جماعِ قلوبنا!!


سيدي يا أبا الزهراء؛ سامحْ من تطاولوا عليك، وهم ليسوا كفارًا ولا منافقين، بل يرددون، مثلنا، الشهادتين، ويصلون إلى نفس القبلة التي نصلي إليها. نسبوا إليك، زورًا وبهتانًا، أنك، وحاشاك، تطوف على نسائك الإحدى عشر بغُسلٍ واحدٍ فى ساعة (!!)، وأنك تأمرُ بقتال الناس حتى يشهدوا الشهادتين (!!)، وأنَّك تقطعُ الأيدي والأرجل، وتسمل الأعينَ، وتهمُّ بإحراقِ بيتِ من لا يصلي بالمسجدِ (!!)، وتهمُّ بالانتحار يأسًا (!!)، وتأمرُ بشربِ بول البعيرِ وغمس الذباب فى الإناءِ (!!)، وتدخل المسجد وأنتَ جُنُبٌ (!!)، وتسهو فى الصلاة (!!)، وتنسى قرآنا (!!)، وتتعلم من يهود عذاب القبر وصيام عاشوراء (!!)، وتخطئ ويصحح لك صحابيٌّ (!!)، وتُسحر وتتأثر بالجن بينما الشيطان يفر من غيرِك (!!!).

 

زعموا وافتروا كثيرًا من الأقوالِ والأحكامِ التي تبرِّئُ أفعالَهم الشنيعة، وتبررُ خصالَهم الوضيعةَ.. حتى كادوا أن يضعوا من وحي عقولِهم المريضةِ، وخيالاتهم التي جُبلت على النفاقِ والكذبِ والخداعِ، قواعدَ دينٍ مخالفٍ، وملةٍ مغايرةٍ لما جئتَ به من حنيفيةٍ سمحةٍ، فاستندَ إليها الخوارجُ، ثم سائر جماعات الإفك والضلال والقتل والتدمير، وصولًا إلى من أسموا أنفسهم "إخوانًا مسلمين"، و"القاعدة"، و"داعش"، وغيرهم، ممن ستقاطعهم، حتمًا، ولن تنظرَ إليهم يوم القيامةِ.

ماذا حدث لمصر والمصريين؟!
كم أسأنا لذكراكَ العطرةِ يا حبيبَ الله، وكم حِدنا عن طريقتِك، وكم شوَّهنا سيرتَك البديعةَ يا صاحبَ الخُلُقِ العظيمِ، وكم تطاولنا، ولهِجتْ ألسنتُنا بالسوءِ والقولِ المنحرفِ عن جادَّةِ الصوابِ، وكم تقوَّلنا عليكَ بما لم تقلْ، ونسبنا إليك ما لم تفعلْ، بل وقد تورطَ في ذلك أقوامٌ كانوا هم الأقربُ، زمانيًّا، ومكانيًّا، من زمانك الغضِّ الأبيض الغرِّ، وصدَّقهم أناسٌ أتواْ بعدَهم، وحاربوا مَنْ حاولَ المسَّ بالتراث لتصحيحِه، وتنقيتِه مما علق به من خرافاتٍ وأكاذيب، فسامحْهم، يا سيدي، فلربما كانت النوايا الساذجةُ وراءَ الطيشِ والغلطِ.


أخشى أن أكونَ قد مزقتُ سترَ الأدبِ، واخترقتُ حجبَ التوقيرِ، ورفعتُ صوتي بحضرتك الساميةِ، بذكري لتلك الأباطيل، والأراجيف، لكنني ما زلت طامعًا في رحمتك، وسعة صدرك، الذي لم يضق يوما بتطفل جاهل، ولا تنمرِ منافقٍ، فلم تدعُ يوما على كافرٍ، ولم تسب مؤذيًا.


سيدي يا رسول الله، في أيامٍ عاطرةٍ بذكرى كفاحك، وصبرِك، ومثابرتك، وتواضعك، ورأفتِك، ورحمتك، بأمتك، وبالعالم، وبالأجيال التي أتت من بعد ذلك الزمان البعيد تاريخيا، لا يسعني إلا أن أردد جميع ما علمتُ وحفظتُ ووعيتُ من صيغ الصلواتِ والتسليماتِ والتحياتِ المباركاتِ عليك، وعلى آلك الطاهرين المطهرين، وأن ندعو الله أن يسقينا من حوضك الشريف، بيدك الشريفة، نحن وأجدادنا، وذرياتنا، دون استثناء، شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.


سيدي وحبيبي، رسول الله، يهتزُّ كُلِّي شوقًا إلى نظرةٍ منك تشفي العللَ، وتداوي الجروحَ، حتى وإن سبتْ مني العقلَ، وانتزعت القلبَ.

 

دراما الخراب

 
سيدي وحبيبي، يا رسولَ الله؛ مهما جادت القوافي، وأثمرت الحروفُ، وأسفرت القرائحُ فلن تبلغَ معشارَ معشارَ ما تطمحُ الروحُ أن ترتقي عبره، إلى مديحِك.. يا خير الورى؛ إن المديح، في ذاته، سقطةٌ، وتطاولٌ إلى صاحب المقامِ الأعلى، لكن عذرَ المادحين الحبُّ.


ولعلَّ أحمد شوقي كان الأصدقَ في قيلِه: "أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدري .. بمدحِك بيدَ أنَّ ليَ انتسابا"، "فما عرف البلاغةَ ذو بيانٍ .. إذا لم يتخذْك لهُ كتابا"، "مدحتُ المالكينَ فزدتُ قدرًا .. فلما مدحتُكَ اجتزتُ السحابا".


الجريدة الرسمية