رئيس التحرير
عصام كامل

الوطن صابر !

تدفن كثير من الآثام فى ثنايا الفقر والفساد، وعل هناك فساد أكبر من تسرب طفل من مدرسته مضطرا لكى يقوم بدور العائل لأسرته معدومة الدخل!
هل هناك إثم أكبر من تحميل نفس بريئة فوق طاقتها وهى فى سنواتها الخضراء اللينة !

 

إن حكاية الطفل صابر، الذى لعبت المصادفة دورا فى عرض مأساته فى الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، هى فى حقيقتها حكاية وطن به كم كبير من العدالة المفتقدة والمؤودة، وطن تغيب عنه المساواة فى فرص الحياة .. طفل صغير لا يتجاوز 12 عشر ربيعا، تسأله إعلامية عن أمنياته لو وجد مصباح علاء الدين أو المصباح السحرى؟


يرد الطفل صابر ببراءة وذكاء وفطنة وواقعية سوداء، إنه يريد العودة لمدرسته التى اضطر لتركها بسبب بؤس أهله وعوزهم.. مات أبوه فانقطعت بهم سبل الرزق، واستطاعت والدته المجاهدة الحصول على عمل بـ 20 جنيها يوميا، أى تقريبا دولار وربع، وبالطبع لا يكفون حاجتهم من الغذاء يوميا..

صراعات المترفين 

خرج صابر للعمل وهو طفل برىء وشاب قبل أن يبلغ الحلم ويناهز أحلام الصبا.. قتلت المسؤولية فيه روح الطفولة فتحدث كرب أسرة وليس كربيب يحتاج لمن يرعاه.. أف لهذا المجتمع ولتلك الحياة التى تعبث بكل صابر بها!

يلاحظ الكثيرون ممن شاهدوا صابر وهو يتحدث، أنه لم يقل إنه يحلم باللعب فى الأهلى أو الزمالك مثلا، أو أنه يحلم بالسفر للمصيف الفلانى، ابتعد عن سفاهة نجوم الكرة والملايين الضائعة سدى على شعب به ملايين الصابرين، لم يفكر فى سخافات معارك التافهين المترفين الحائرين بين حرية التعرى بالبكينى أو الاحتشام بالبوركينى، ربما كان صابر جائعا وقتها..

 

ربما كان نفسه فى رغيف فول أو فلافل من التى يعيش عليها كغذاء أوحد وشبه دائم، ربما كان يريد الدخول لحمام يقضى حاجته وظروف العمل والشقى فى الشوارع لم تمنحه حتى الفرصة لإراحة أعضائه المنهكة..

 حرمة بيوت الساقطات!

ربما كان يشعر بالرغبة فى البكاء لكن كرامته ونفسه العزيزة حبست دموعه الغالية وسجنتها وراء فضبان تعود عليها تسد عليه كل منافذ الحياة الطبيعية والتى يفترض أن تتاح له ولغيره !

معهد أزهرى !
صابر، ذاك الفتى الجميل الرقيق، شديد الوسامة النفسية والخلقية، هذا الرجل الذى نضج قبل الأوان، كان طفلا بالصف الرابع الأزهرى، أى إن مصاريف دراسته قليله، ولكن حتى مع تلك القلة، يجد صابر وكل صابر فى ظروفه تلك الجنيهات أسوارا عالية نحجب عنه الأمل فى بصيص من نورالعلم..

 

لا يدرى صابر أنه هناك بالقرب من مكان التصوير الذى كان يقف فيه، مدارس وحضانات للاطفال بمبالغ خيالية لا يستطع جمعها او حتى تخيلها، لا يدرى أنه هناك حضانات الدفع فيها بألاف الدولارات..

ثم إنتحرت سناء ! 

ولا يدرى أنه هناك عوالم موازية لا تهتم بصابر أو أمثاله بينما هم الأكثرية المنسية المهملة.. فقط يريد أن يتعلم فى معهد أزهرى حكومى، ويريد أن يأكل وتأكل معه أسرته وأمه الشقيانة المجاهدة.. هل هذا كثير.. تلك ليست أمنيات إنها أبسط الحقوق يا سادة!

نهاية سعيدة غير مرضية !
و كعادتنا فى مثل تلك الأمور، يسمع السيد المسؤول بالأمر وكأنه مفاجأة له وليس شيئا معتادا ومكررا، فيقوم بحل الأزمة لأنها أخذت حيزا لا بأس به من حديث الناس..

 

وللأمانة، فإن فضيلة الإمام الطيب شيخ الأزهر.. تكفل بالطفل صابر حتى يكمل تعليمه، وهو مشكور ومقدر على موقفه النبيل، ولكن ليس هذا بحل وليس هذا دوره.. إن الحل يجب أن يكون جماعيا مؤسسيا قائما على أسس تشريعية ثابته، وأن يمنح حق الحياة والتعليم والعلاج لكل فقير أو بائس أو معدم..

 

هناك ألاف الصابرين فى القرى والنجوع والمدن المصرية ممن حرموا حقهم فى الحياة، وللأسف لم تظهرهم قناة تليفزيونية أو كاميرا عابرة.. الحل فى أن يكون الوطن للجميع وأن يكون التعليم مجانى للجميع وأن يأخذ كل فقير أو معدم حقه كاملا فى وطنه الذى انتهبته ثلة من الأثرياء.. يجب أن يعود الوطن لصابر وكل صابر وصابرة .
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية