رئيس التحرير
عصام كامل

صراعات المترفين

المؤسف أن الطبقية فى مصر توحشت وتوغلت حتى أصبح عندنا طبقات كثيرة وتولدت طبقات داخل الطبقة الواحدة، لكل منها قيمها وأيضا مفاسدها وأدرانها، فالفقراء المظلومون دوما درجات وطبقات، فهناك المستورون الذين يقبعون فى أعلى الهرم الطبقي للفقراء وهم فى أغلب الأحوال من الموظفين المتزوجين من موظفات أو عاملات.

 

يليهم نصف المستورين، وهم من يعتمدون على دخل رب أو ربة الأسرة فقط، وهو فى الغالب شبه ثابت، ويلى هؤلاء فى سلم البؤس الأرزقية، وهم الذين يعملون يوما أو أكثر بأجور متفاوتة ولكنهم لا يضمنون عملا يسترهم بقية الأسبوع، وينتهي الهرم الطبقي للفقراء بالمعدمين وهم من لا يملكون أي فرصة للدخل سوى المعونات وما يجود به أهل الخير وهم قلة في هذا الزمان!


حرمة بيوت الساقطات!

 

أما عن الأغنياء، فحدث ولا حرج، فهم طبقات كثيرة، ولكنهم جميعا يتمتعون بالمال الوفير، ولكن ليس لهم جميعا نفس المكانة الاجتماعية والبيروقراطية الوظيفية، وتختلف مكانتهم الاجتماعية فى المجتمع الثري وفقا لذلك، وتتنوع اختياراتهم للأماكن التي يرتادونها، خاصة الترفيهية.

 

فمن يصيف مثلا فى بورتو داخلي محلي، ليس كمن يذهب للمالديف أو الريفيرا الفنرسية الإيطالية لينفق عشرات الآلاف من الدولارات التي لا تعني الكثير لديه.. وهنا يشعر بالتميز عمن ينفق عشرات الآلاف من الجنيهات المسكينة بالداخل، لذا تبدأ النظرة الطبقية فى التعاظم عند الأغنى والأكثر ترفيها داخل تلك الطبقة، ولعل هذا ما يفسر الخناقة التي شغلت الكثيرين من مجتمع مصر الحديث، أو ما يعرف بمجتمع السوشيال ميديا، حول البكيني والبوركيني..

 

ولمن لا يعرف الأخير، لان الأول معروف جدا من السينما من زمان بعيد، فهو مايوه (شرعى)، أو بشكل أدق، زى للبحر به تستر نوعا ما، ترتديه النساء الأثرياء المرفهات اللائى يتحرجن من إظهار أجسادهن للغرباء، وهن محقات بكل تأكيد.

 

وراء كل مهرجان.. انكسار (1)

 

لن أتوقف هنا عن النظرة الدينية للبكينى أو النظرة الأخلاقية لمن ترتدى ذلك، ولا أنشغل كثيرا بالزوج الذى يسمح لزوجته بهذا الزى شبه العارى، وذلك لأن القيم لا تحتاج لشرح كما أن القبح الأخلاقي لا يحتاج لتبرير، وبعيدا حتى عن الدين الذى يحرم ذلك بكل تأكيد، بل ويوصم من يسمح بذلك بأوصاف قاسية على نفسه إن كان حسيسا.

 

أتوقف هنا فقط عند النظرة الطبقية فى مصر والتى تتحول تدريجيا لنوع من عنصرية الجيتوهات الصهيونية، فكل فئة داخل طبقة الأثرياء الممتدة تخلق قيما لنفسها، ثم ما تلبث أن تحتقر من لا يشاركها تلك القيم، ثم تحاول الانعزال داخل جدران كمبوند أو منتجع لتمارس قيمها الفاسدة غالبا، والتي تخشى من الآخر أن يلوثها !

 

حتى وإن كانت هى بذاتها ملوثة ومفسدة وعفنة، حتى وإن كان الآخر الذي يحتقره من نفس طبقته الثرية.. فما بالك بنظرتهم للفقراء أمثالنا بتنوعاتهم الطبقية أيضا .. لا شك أننا بالنسبة لهم خارج نطاق الإنسانية !

نجست الكباريه يا كلب!
ربما كانت تلك المقولة الساخرة فى أحد الأفلام المصرية تنطبق بقوة على ما رأيناه، فالسيدة التى ترتدى المايوه ترى فى الزى المحتشم نجاسة فعلية للماء الذى تسبح به، ويقف الرجل من هؤلاء مباركا دفاع زوجته أو رفيقته عن مقدساتها البكينية الشريفة، بل ويقيم الدنيا ولا يقعدها ويعتبر الهوية فى خطر !


ليته كان عربجيا!

 

هؤلاء المترفون الذين ينفقون أموالا طائلة على المقدسات البكينية أو البوركينية، يتشاجرون بكل عنجهية وطبقية وعنصرية داخل جدران ومسابح طبقتهم المرفهة، بينما هناك الملايين يصطفون فى طوابير طويلة فى الشمس المحرقة من أجل 500 جنيه تمنحها الدولة لمن فقدوا مصدر رزقهم بسبب وباء كورونا..

 

يتشاجرون بينما هناك طلبة محترمون ومكافحون تحجب نتائجهم لأنهم لم يتمكنوا من دفع مصاريف مدارسهم وجامعاتهم لضيق ذات اليد، يتشاجر المترفون حول قداسة البوركينى ودناءة البكينى بينما هناك من يقضى صيفه وشتاءه فى أحد السجون لأنه غارم أو غارمة، دخل السجن لإنفاقه على أسرته وتورط فى التوقيع على إيصال أمانة أو شيك بمبالغ تافهة لكنها مؤلمة وقاسية عليه..

 

يتشاجرون حول شكل البيسين بينما هناك من يدعو الله ويبتهل لكى يرزقه بعمل يشقى فيه ليكسو أطفاله قبل العيد أو حتى يشترى بضع قطع اللحم حتى يعيد .. لو كان الأمر بيدى لأممت كل تلك المنتجعات لصالح الفقراء ولجعلت كل شىء عام فالأرض كانت ملكا للشعب وانتهبها من لا يستحق في عهد مبارك والجميع يعلم ذلك جيدا !

الجريدة الرسمية