رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟

جرت كل النظم القانونية في كل الدول، ومن بينها مصر، على الفصل بين سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهو مبدأ يكفل الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات، ولكن في تحدٍ سافر خرج المستشار سامح كمال، رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق على ذلك المبدأ..

 

فقرر دون دراسة أو علم قانوني وبشكل متسرع، إصدار تعليمات لتحل محل التشريع الذي نص عليه الدستور، بشأن تنظيم سلطات النيابة في توقيع الجزاءات على العاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية.


أصدر سامح كمال القرار رقم 129 لسنة 2016 بشأن نظام العمل بلجان التأديب والتظلمات (غير منشور)، وتنص المادة الأولى منه على أنه: للنيابة الإدارية السلطات التأديبية في توقيع الجزاءات التأديبية أو حفظ التحقيق فيما تباشره من تحقيقات، ولرئيس الهيئة ولجان التأديب ومديري النيابات، سلطة توقيع الجزاءات أو حفظ التحقيق وإصدار القرارات التأديبية وأعتمادها، ولمديري النيابات بالنسبة للعاملين سلطة حفظ التحقيق عدا الحفظ القطعي لعدم الأهمية، وذلك في القضايا الخاصة بالمتهمين شاغلي درجة كبير فما دونها، شريطة عدم وجود متهمين بالقضية من شاغلي وظائف الإدارة العليا.

 

العدالة تنتصر لضحايا عقوق الأبناء

يأتي ذلك على الرغم من أن الدستور إختص السلطة التشريعية بمهمة إقرار القوانين، ولم يخول أية سلطة أخرى مباشرة شئ من الوظيفة التشريعية إلا في الحدود الضيقة التي تضمنتها نصوص الدستور حصرًا، ويندرج تحتها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فيجاوز بذلك مُصدرها الإختصاص الدستوري المخول له، متعدياً على السلطة التشريعية.

ونص الدستور في المادة (197) على منح هيئة النيابة الادارية سلطة توقيع الجزاءات التاديبية، الا أن النص الدستوري جعل إنفاذ تلك السلطة في توقيع الجزاءات التاديبية رهينًا بصدور قانون ينظم هذا الامر، والذي لم يصدر حتي تاريخه، وبالتالي كان يتعين علي رئيس هيئة النيابة الادارية حينذاك الالتزام بما حددته التشريعات المعمول بها وعدم إصدار آية قرارات أو تنظيم يمس توقيع الجزاءات التاديبية لحين صدور التشريع. 

وبهذه المثابة كان يتعين على النيابة الإدارية الإلتزام بالتحقيق في المخالفات الادارية والمالية المنسوبة للموظفين والعاملين محل إختصاصها، على أن تمارس الجهة الادارية إختصاصها التاديبي المنصوص عليه قانونًا في ضوء التحقيقات التي أجرتها النيابة الادارية، إما بتوقيع الجزاء الذي تراه مناسبًا أو بحفظ الاوراق وأن تطلب من هيئة النيابة الادارية إحالة العامل الذي تم التحقيق معه الي المحكمة التاديبية.

ولا يغير من هذه النتيجة ما نص عليه قانون الخدمة المدنية من إختصاص النيابة الادارية دون غيرها بالتحقيق مع شاغلي وظائف الادارة العليا، وفي المخالفات المالية التي يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية أو المساس به، وكذلك التحقيق في المخالفات التي تحال اليها، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة للسلطة المختصة في توقيع الجزاءات والحفظ إذ أن ذلك لا يعدو أن تكون ترديدًا لنص الدستور دون أن تطرق لوضع قواعد لتحديد السلطة المختصة بتوقيع الجزاءات التاديبية.

 

 لماذا يعمل القضاة بالجهات الإدارية؟


وباستعراض المادة (197) من الدستور يتضح أمران، أولهما: أن النص ربط ممارسة هيئة النيابة الإدارية إختصاصاتها التى ناطها بها الدستور، بالتنظيم الذى يضعه القانون، ومن ثم لا يتأتى ممارستها السلطات المقررة لجهة الإدارة في توقيع الجزاءات التأديبية إلا بعد تدخل المشرع، وإصدار القانون الذى يتضمن تنظيم اضطلاعها بهذا الاختصاص، إذ أن القرار 129 لسنة 2016 بشأن لجان التأديب والتظلمات هو والعدم سواء، لأنه محض غصب لسلطة المشرع. 

وثانيهما: أن الدستور مايز في الحكم بين سلطة هيئة النيابة الإدارية بالتحقيق في المخالفات الإدارية والمالية وفقًا للقانون، الذي لم يعهد إليها سلطة توقيع الجزاءات، ويدعم ذلك أن النيابة الإدارية طبقًا للدستور والقانون هي سلطة تحقيق، وأن من ضمانات التأديب الراسخة عدم جواز الجمع بين سلطة الاتهام والتحقيق وسلطة توقيع الجزاء ما لم يقرره الدستور، أو ينص عليه القانون.

ولذلك يكون قرار سامح كمال رئيس هيئة النيابة الإدارية رقم (429) لسنة 2015 فيما يتضمنه من تأليف لجان تأديب تختص بتوقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية فاقدًا سند إصداره، ومغتصبًا سلطة المشرع، بالإضافة إلى خروجه على الحدود التي رسمها الدستور والقانون، ونجد أن الإندفاع غير المدروس كلف أجهزة الدولة وموظفيها الجهد والوقت والمال، ومشقة لا طائل منها.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية