رئيس التحرير
عصام كامل

السلاح البيولوجي.. سيناريوهات الجماعات الإرهابية لإشعال العالم.. «داعش» يستغل انشغال الدول بمواجهة "كورونا" ويرتب صفوفه

فيتو

«لا أصوات لطلقات مدافع تعلو.. أو طائرات تحلق في السماء منتظرة لحظة صفر لإطلاق صاروخ، فالموت الذي يأتى عن طريقها يمكن وصفه بالموت الصامت».

 

من هنا يمكن المضى قدمًا للحديث عن الإرهاب البيولوجي، الذي يختلف اختلافًا جذريًا عن الحروب التقليدية التي سبق وأن تابعها العالم، فيمكن بسلاح بيولوجي أن تبدأ دولة هجوما ما بـ«ضغطة زر» دون حاجة إلى تحريك جيوش أو وضع خطط أو حتى تقدير احتمالية الخسائر، فهذه النوعية من الحروب غالبًا ما يتكبد صاحبها «صفر خسائر».

 

في حين أن الطرف الآخر لا يستطيع حتى التقاط أنفاسه وتحديد الموضع الذي جاءت منه الضربة، فالسلاح الذي أطلق عليه لا يمكن مواجهته أو تقليل خسائره بين يوم وليلة، فهناك أبحاث يجب أن تتم، وتجارِب من المفترض أن تشهدها المعامل المتخصصة، وما بين هذا وذاك، سقوط الضحايا «عرض مستمر».

 

الإرهاب البيولوجي

 

«الإرهاب البيولوجي» يوصف بأنه عملية منظمة تهدف لنشر أنواع من الفيروسات، أو عينات بكتيرية أو سموم كيميائية من أجل التسبب في الإصابة بالمرض والوفاة المباشرة سواء كان للبشر أو الحيوانات.

 

ويعد التهديد الذي يطرحه الإرهاب البيولوجي واقعًا وليس مجرد تهديدات خيالية، فقد كشفت بعض التقارير أن لدى الأفراد والجماعات الإرهابية والمجرمين القدرة والتصميم على استخدام العوامل البيولوجية لإلحاق الضرر بالمجتمع.

 

خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه والوصول إلى المعلومات متاحًا بسهولة عبر الإنترنت، واستخدام أفراد وعناصر الجماعات الإرهابية لقنوات سرية لتبادل البيانات والتواصل فيما بينهم والخطر الأعظم في الإرهاب البيولوجي يتمثل في إمكانية تفشي المسببات البيولوجية الناقلة للعدوى والسامة دون سابق إنذار.

 

 

إستراتيجيات حماية

وهو ما أظهر الحاجة الشديدة إلى وضع إستراتيجيات منظمة للحماية من المواجهة المحتملة، واستحداث أفضل طرق الوقاية من الاستخدام المتعمد للبكتيريا أو الفيروسات أو السموم البيولوجية التي تهدد الإنسان والحيوان والزراعة أو تلحق الضرر بهم، ووضع بروتوكولات تعاون بين الدول والمنظمات الدولية لوضع إستراتيجية عالمية للوقاية.

 

وعادت قضية الإرهاب البيولوجي إلى ساحة مع تفشي وباء فيروس كورونا، وتزامنًا أيضا مع إصدار محكمة ألمانية، حكمًا بالسجن 8 سنوات على داعشية، بعد تخطيطها هي وزوجها لشن هجوم بيولوجي قبل سنوات في البلاد بطريقة أثارت رعبًا كبيرًا حينها، عندما أقبل رجل تونسي يدعى «سيف. هـ»، يبلغ من العمر 30 عامًا، و«ياسمين هـ» امرأة ألمانية عمرها 44 عامًا، على التخطيط لاستخدام «قنبلة بيولوجية»، في قتل عدد كبير من المواطنين الألمان في هجوم بيولوجي كان سيعتبر الأول على الإطلاق في البلاد.

 

داعش

 

وبعد ضبطهما كشفت التحقيقات أنهما بايعا تنظيم داعش الإرهابي عام 2017، لكنهما لم يكن في مقدرتهما السفر إلى سوريا، لذلك حاولا التخطيط لتنفيذ هجوم إرهابي داخل ألمانيا.

 

وتتكون القنبلة البيولوجية التي خطط الزوجين لصنعها من عدة مكونات عُثر عليها داخل منزلهما، كالآتي: «84،3 ملج من سم الريسين، و3300 بذرة من بذور الخروع التي يستخرج منها هذا السم»، واختبر الزوجان تأثير السم المدمر على فأر، وهو سم يعتبره العلماء أقوى بـ6000 مرة من السيانيد، وهو سم آخر مميت للإنسان إذا ابتلعه أو استنشقه، بالإضافة إلى ضبط 250 كرة معدنية، وزجاجتين من الأسيتون وكابلات موصولة بمصابيح و950 جرامًا من مسحوق رمادي ومزيج من بودرة الألومنيوم ومواد مفرقعة.

 

ولعل ذلك يعيدنا إلى ذكرى قتل المدعو مدحت مرسي السيد عُمر، الملقب بـ«أبو خباب» المصري، الذي اشتهر بلقب «كيميائي تنظيم القاعدة»، في عام 2008 خلال غارة أمريكية بواسطة طائرة بدون طيار في باكستان، لتنهي حياة قائد مخطط التنظيم الإرهابي في صناعة الأسلحة الكيميائية، والذي كان مسئولًا أيضًا عن تدريب شباب القاعدة على صناعة المتفجرات.

 

ووضع برنامج منظم للحصول على السموم الكيميائية وتصنيع قنابل منها؛ بهدف توسيع النشاط الإرهابي لتنظيم القاعدة،ولم تخف سيناريوهات وقوع هجمات بيولوجية إرهابية عن منظمة الأمم المتحدة، والتي وصفت على لسان أمينها العام أنطونيو جوتيريش، استخدام المواد البيولوجية من طرف الجماعات الإرهابية بأنه واحد من 8 عوامل تؤدي لاضطراب دولي وسط الجائحة، وأن الوضع القائم قد يزيد من احتمال وقوع هجوم إرهابي بيولوجي، ودليله على ذلك يتمثل في نقاط ضعف المجتمعات التي ظهرت بشدة خلال التعامل مع الوباء وضعف أكبر الأنظمة الصحية وفشلها في السيطرة على الوباء.

 

استغلال كورونا

 

نفس التخوفات أعرب عنها حلف شمال الأطلسي، الذي ذكر أنه يخشى من تسبب أزمة فيروس كورونا في الإيحاء لبعض التنظيمات بفكرة استخدام الأسلحة البيولوجية في مواجهة الدول وتهديد الأنظمة.

 

ودعا الحلف إلى ضرورة إعداد استجابة قائمة على تنسيق دولي للتهديد المحتمل والإسراع في إنشاء أنظمة مراقبة عالية التكنولوجيا للمساعدة في إحباط أي هجوم متوقع، ودعم ذلك الاعترافات التي أدلى بها القيادي بتنظيم القاعدة عبدالناصر قرداش بعد القبض عليه، وتأكيده أن التنظيم تمكن من صناعة غاز الخردل السام بالعراق، ولكنه فشل في تخزينه.


بدوره.. ذكر المركز القومي الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا البيولوجية، أن فيروس كورونا تسبب في إحداث اضطرابات كبرى داخل المجتمعات، ولا يمكن تصور أن التنظيمات المتشددة لن تسعى لاستغلال الفرصة والاستفادة القصوى منها، في تغيير نهج استراتيجيهات وتركيز العمل على المعمل دون الأسلحة التقليدية التي لم تساندها خلال معاركها في السنوات القليلة الماضية وتعرضها لخسائر كبيرة بسبب اتباع ذلك النهج.

 

أسلحة غير تقليدية

 

وفى هذا السياق أكد الدكتور أحمد الشوربجي، الباحث في شئون جماعات الإسلام السياسي والحركات المتطرفة، أن الجماعات الإرهابية تسعى بدورها إلى امتلاك أسلحة غير تقليدية من خلال التعاون مع علماء بيولوجيين متخصصين وباحثين من ضعاف النفوس للمشاركة في أجندته الإرهابية، لتدريب عناصر خاصة في هيئة التطوير والتصنيع بالتنظيم على تحضير وإنتاج واستخدام الأسلحة البيولوجية.

 

وأشار «الشوربجى» إلى أن القلق من الإرهاب البيولوجي يعود بطبيعته إلى بدايات الحرب العالمية الثانية حيث سعت الجماعات المتطرفة بطريقة حثيثة إلى امتلاك الأسلحة النووية والبيولوجية فور سقوط الاتحاد السوفيتي لكنها فشلت في الحصول عليه، لكن تم تجديد تلك المخططات مرة أخرى خلال هجمات 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير متوقع مما أثار انتباه العالم للتخوف من نوايا التنظيمات الإرهابية وطريقة تفكيرها الجديدة وغير نمطية.


وتابع: باتت الجماعات الإرهابية في الفترة الأخيرة تعمل على استغلال تلك الأزمة التي يمر بها العالم والمتمثلة في «فيروس كورونا» للعودة إلى الساحة وممارسة أنشطتها الإرهابية بعد تدمير آخر معاقلها في سوريا والعراق، وذلك من خلال نشر الفيروس من قبل أفراد أو تنظيمات كقنبلة بشرية مما يتسبب في تفشي الوباء، لكن كل ما يحدث يؤكد أن أنشطة البحث وقدرات الإنتاج للإرهاب البيولوجي ضعيفة رغم سعيها المستمر بتطوير فكرة صناعة الأسلحة البيولوجية.

 

التصنيع الإرهابي

 

وعن احتمالية تصنيع الجماعات الإرهابية لتلك السلاح البيولوجي واستخدامه قال اللواء محمد عبد الواحد خبير الأمن القومي: من الصعب على تلك الجماعات امتلاك أسلحة بيولوجية في الوقت الحاضر نظرًا لأن تصنيع تلك السلاح يحتاج لتكنولوجيا متطورة للغاية.

 

وقد زعمت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل إمكانية حصول تنظيم القاعدة على أسلحة بيولوجية، وبل ووصل الأمر إلى الحديث عن إمكانية تصنيعهم لأسلحة نووية وجاءت تلك الادعاءات في محاولة لتخويف وترهيب العالم من مغبة تلك الجماعات والترويج إلى أنها تهدد السلم والأمن الدوليين.

 

وبالتالي تستطيع أن تحشد تحالف دولي، إذن كان الغرض هو توظيف هذه الفكرة لتحقيق مكاسب سياسة وإنشاء تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، ولكن هذا لا يعني أنهم لم ينفذوا عمليات بيولوجية بسيطة تتمثل في إلقاء كيماويات أو مواد سامة أو نشر أدوية فاسدة وغيرها من الأشياء الضارة على صحة الإنسان لترويع وترهيب البشر أو دعوة المرضى.

 

خاصة الذين من يعانون من أمراض معدية "الكورونا وغيرها" للانتقال داخل صفوف أعدائهم.

 

استمرار النشاط

 

وعن استمرار نشاط الجماعات الإرهابية ألقى الخبير الأمني، باللوم على الحكومة العراقية التي أعلنت قبل عدة أعوام بالسيطرة على داعش والقضاء على آخر معاقلهم وتقاعست في البحث بشكل كافي عن تلك الجماعات وتركت لهم الفرصة للتجول في «مثلت الموت بالعراق» أي المنطقة الوعرة الواقعة بين الحدود الإيرانية وصولًا للحدود السورية.

 

وبالتالي تحولت تلك الجماعات الإرهابية إلى خلايا نائمة تتخذ من الأماكن الرخوة والنائية أوكار وملاذا لها بعيدًا عن سيطرة الأمن، مستغلة في هذه الظروف المعقدة والصراعات السياسية سواء في العراق وسوريا والمتمثلة في ( تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار منظومة الخدمات الاجتماعية) لإعادة نشاطها من جديد وتقديم خدمات اجتماعية بالإضافة إلى استقطابهم وتأمين شبابها الذين فقدوا وظائفهم بسبب كورونا.

 

كما استغلت انشغال الدولة بمكافحة كورونا واعادة ترتيب الحقائب الوزارية لتفعيل نشاطها من خلال عمليات إرهابية بين«كركوك وصلاح الدين وديالي» وهي مناطق مليئة بالوديان والسلاسل الجبيلة، كما أنها أماكن وعرة بعيدة عن أعين أجهزة الأمن.

 

عودة داعش

 

وشدد اللواء محمد عبد الواحد، على أن كل ما سبق ذكره ساهم في نشاط وعودة هجمات تنظيم «داعش» الإرهابي بقوة خاصة في سوريا بين ريف السخنة ودير الزور، أي من شرق حمص وحتى الحدود العراقية.

 

كما يمكن ملاحظة التنوع الشديد في عمليات التنظيم الإرهابية (اغتيالات، هجمات انتحارية، وغارات مسلحة) وهو ما يؤكد قدرة الجماعات الإرهابية على الحركة بحرية تامة مستغلة التقاعس الأمني والانسحاب الجزئي الأمريكي وانتشار القوات التركية وفتح السجون وتجدد الاشتباكات بين المعارضة المحلية والجيش السوري.

 

وفي ظل تلك المعارك استغل التنظيم مؤخرًا أزمة "كورونا" وروج لخطاب كراهية شديد اللهجة تم نشره من قبل المنظمات الإرهابية وإصداراتها الإعلامية، على لسان المتحدث الرسمي للداعش أبو حمزة القرشي، الذي زعم أن «الفيروس» جندي مقاتل أتي لضرب طواغيت العالم.

 

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية