رئيس التحرير
عصام كامل

عباس محمود العقاد يكتب: حكمة الإرادة فى الصيام

العقاد
العقاد

رمضان شهر الأدب والخلق الكريم، وهو شهر الإرادة والتحكم فى الشهوات.. وحول المغزى من الصيام وفرضه شهرا فى العام كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا نشره فى كتابه "عالمية الإسلام".. وأعادت نشره مجلة الهلال عام 1960، قال فيه:

أدبه أدب الإرادة، وحكمته حكمة الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير فى الدين،  والخلق فى الدين، وما الخلق إلا تبعات وتكاليف.. ومن ملك الإرادة فإن زمام الخلق جميعا بين يديه.. ومزية رمضان أنه فريضة اجتماعية مع فرضه على آحاد المكلفين، فهو موعد معلوم من العام لترويض الجماعة على نظام واحد من المعيشة، وعلى نمط واحدمن تغيير العادات، وليس اصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهمية للنظام.. ولتغيير العادات شهرا فى كل سنة تتلاقى فيه على سنن واحدة فى الطعام واليقظة والرقاد، وبما يستتبع ذلك من أهمية الجماعة كلها لهذا الشهر خلال العام.

الصيام على اختلاف الأنواع، وليس أكثر من أنواع الصيام هذه الأيام.. سواء كان لاجتناب السمنة لدى الجنس اللطيف أو حرصا على الرشاقة، أو لإصلاح المعدة، أوالصيام السياسى (الاحتجاج على معاملة أو رأى) أو الصيام للبخل والتوفير، أو صيام اليوجا وعادات المتصوفين والنساك.

إذن ليس زماننا زمان الإعراض عن الصيام كأنه عادة من عادات الأقدمين التى عفى عليها الدهر ـــ كما يقولون ـــ بل هو نريد فيه ألوان الصيام.. ولا تنقص فى عالمنا من عصر قط استحق أن يسمى عصرا صياميا كالعصر الذى نحيا فيه.

والصيام على اختلاف أنواعه التى ذكرناها ليست هى كل الصيام الذى ينشغل به أبناء العصر الحاضر، فتلك جميعا أنواع جسدية تراد لحفظ الصحة أو حفظ الرشاقة والقوة وغيرها.

وكثير من أنواع الصيام يدرسها أبناء العصر الحاضر ولا يطلق عليها وصف الأنواع الجسدية لأنها تراد لتربية الخلق ورياضة النفس، وتعويد الإنسان أن يملك عاداته كما يشاء، والصيام الذى فرضته الأديان أحق هذه الأنواع بالبحث عن دواعيه ومعانيه.

 وحكمة الصيام فى الأديان الكتابية هى للتكفير عن الخطايا والسيئات وتربية الأخلاق.. أما الدين الإسلامى فهو الدين الوحيد الذى فرض كتابه الصيام فترة معروفة من الزمن، ولاخلاف بين الأئمة فى الحكمة المقصودة بهذه الفريضة وهى تقويم الأخلاق وتربيتها وإن تعددت الأخلاق التى تذكر فى هذا المقام.. فقد يعلم الصيام الغنى الرحمة بالفقير، ولكنه مقصد لايشمل الأغنياء فقط، وكما ينبغى فى كل فريضة عامة لاتختص بإنسان ولا بطائفة دون أخرى من المسلمين.. أما الخلق الذى يعم الأغنياء والفقراء، ولايستفاد من فريضة عامة كما يستفاد من الصيام.. فهو الإرادة وهى ألزم الصفات لكل إنسان، ولا قوام للفضائل والفرائض جميعا بغير هذه الإرادة.. إذن الإرادة هى فضيلة الفضائل فى الصيام، ومتى عرفت هذه الحكمة فآداب رمضان كلها محصورة فى معناها.

ذكرى عباس العقاد.. فارس الحرية والكلمة

وليس من حكمة الله فى الصيام ولا من أدب رمضان أن يتململ الصائم أو يتجهم كأنه مكره عليها مطيع لها بغير رضاه.. وليس من ادب رمضان أن يقضى صيام نهاره فى النوم تاركا الطعام، وليس من أدب رمضان أن يفرط الصائم فى الطعام والشراب بعد غروب الشمس وحتى موعد الإمساك.

الجريدة الرسمية