رئيس التحرير
عصام كامل

نماذج بطولية عنوانها "مينا وأحمد وشريف"

مواقف بطولية عدة أفرزتها محنة الطقس السيئ التى مرت بها البلاد منذ أول أمس الخميس، مواقف تلاحم إنسانى وطنى أثبتت أن سر قوة هذا الشعب العريق، فى تماسكه وتوحده فى الأزمات على قلب رجل واحد.

 

 سقط ضحايا حاولوا إنقاذ غيرهم وذويهم من خطورة الطقس، وما صاحبه من إهمال وتقاعس بعض الوحدات المحلية فى المحافظات عن القيام بمهامها على الوجه الأكمل، من نجدة المحاصرين بالمياه أو التأمين اللازم ضد خطورة الصعق بالكهرباء.

اقرأ أيضا: مشاهد من الحياة

 مينا عادل ميخائيل 23 عاما، الشاب البطل، ضحية الصعق من الكهرباء فى قرية ميت يعيش التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، كان يحاول إنقاذ بيوت الشارع الذى يقطن به من المياه التى غمرتها، وشاءت الأقدار وهو يعاون جيرانه أن يلامس أحد مصادر الكهرباء المكشوفة، فيصعقه التيار على الفور ويلقى وجه ربه.

 

كان مينا يستعد لزفافه على من اختارها قلبه بعد أسبوع من الآن، لكنه زف إلى السماء، بإرادة الهية، لا تعفى مسئولى الإدارة المحلية فى تلك القرية من ضرورة المسارعة إلى فصل التيار عند اشتداد مياه الأمطار، وقبل وقوع الكارثة، لكن مينا ضحى بحياته فداء لإنقاذ أهله وجيرانه، ونعته القرية بأكملها مسلميها قبل أقباطها، وهم يشيعونه إلى مستقره الأخير.

 

 قصة البطل الشاب أحمد شعبان ٣٢ سنة  لاعب ومدرب ألعاب الدفاع عن النفس بطل التاي تشي السكندري والذى كان ضمن رحلة تتكون من ٢٢ شخصا، سافروا لقضاء عطلة في مخيمات رأس شيطان بمدينة نويبع، وما إن قضوا ليلتهم الأولى في أحد المخيمات، إلا واجتاح السيل القادم من خلف الجبل،المخيم، ليدفع كل من أمامه من حجارة وصخور وبشر نحو البحر، وأنقذ البطل أحمد٢١ شخصا من مرافقيه، وأخرجهم إلى الأمان وكان آخر من أنقذ زوجته، وعاد يبحث عن آخرين إلا أن السيل الجارف أسقط عليه صخرة ارتطمت برأسه وفارق الحياة.

 

 اقرأ أيضا: قطعة من القلب

 

الشاب القاهرى شريف خيري الذى تطوع هو ومجموعة من زملائه بتجهيز سياراتهم ذات الدفع الرباعى بالمجان لإنقاذ أى سيارة متعطلة عالقة وسط مياه الأمطار، وإنقاذ ركابها، بالمجان بدون أجر، وأعلن شريف وأصدقاؤه أنه فى خدمة الجميع، موضحا أرقام الاتصال الهاتفية التى يحتاجها أى ملهوف إلى النجدة.

 

   وساهم شريف بالفعل فى إغاثة عشرات الأسر والسيارات العالقة التى تعطلت وكادت تغرق بركابها وسط بحيرات المياه فى بعض المناطق التى حدثت بها انهيارات أرضية أو تجمعات مياه، وجراء ذلك احترق محرك سيارته الفاخرة، ما استدعى إصلاحه بمبلغ يتجاوز 90 ألف جنيه، رفض شريف أن يتقاضي منها مليما واحدا إعانة من أى أحد، مردفا : " لا أرغب فى إضاعة الثواب".

اقرأ ايضا: أسير المعروف

نماذج كثيرة وكثيرة فى كل شارع وحارة فى مصر تكاتفت فى الأزمة، بين من يحاول تصريف المياه المتجمعة بفتح أغطية الصرف، وآخر يحاول تعبيد طريق للسير، وآخر أعلن استضافة أى عالق فى منزله، ودور عبادة أعلنت فتح أبوابها لإيواء أى محتاج فى تلك الظروف، ومن وضع سيارته فى خدمة أى حالة مرضية طارئة تستدعى النقل إلى المستشفى.

 

عشرات الحالات والنماذج التى لا يقدر العقل على حصرها، أثبتت أن مصر وقت الأزمات "شخص واحد" فقط، لا تعرف المسلم من المسيحي، إغاثة بدوافع انسانية بحتة، ودوافع الجيرة والوطنية والمحبة الخالصة التى لا تقدر بأى ثمن.

اقرأ أيضا: أسلاك الموت

عاشت مصر كتلة واحدة، تمر بها المحن والشدائد فتنهض منها بكبرياء وشمم وعزة نفس، مدونة سطورا من البطولات، ودفاتر كاملة من الملاحم الإنسانية التى لن تجدها إلا بها، ورحم الله ضحايا هذه الموجة المناخية وألهم ذويهم الصبر والسلوان.  

 

الجريدة الرسمية